Monday, July 22, 2013

الثورة المصرية (4) – حالة الثورة وحالة الدولة ...البدائل



مرحبا...


بدون البدء المقدمات التي اعتدت ان استهل بها...فقد تساءلت في اخر مقالة نشرتها تساؤلا كان نصه " نعم كسر المصريون باب الخوف بعد الثورة...لكن هل فتحوا حقا  باب الحرية؟؟؟"...وقد جاءت الاجابة باسرع مما توقعت في 30-يونيو-2013 لتبرهن –مرة اخرى- على قدرة الشعب المصري الهائلة على فتح ذلك الباب –باب الحرية- ...
وهو ما فتح الطريق جليا اماما الى الحديث عن المكون الثالث من مكونات الحرية وهو البدائل....

وكأننا كنا في موعد مع القدر

وقد اثرت ان اؤجل تلك السطور الى يوم من اعز الايام لدي في هذا الشهر وهو ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 التي قادها الجيش المصري و على رأسه الرجل العظيم (جمال عبد الناصر) رحمة الله...ومن حسن الحظ اننا نمر خلال تلك الايام بذكرى ال10 من رمضان وهي ذكرى العبور العظيم...وكأن شهر يوليو من هذا العام 2013 ابى الا ان يكو ن شهر الجيش بلا منازع (23 يوليو1952- 10 رمضان 1973 – 3يوليو2013)

ومن المفارقات الغريبة انه في الذكرى ال61 لثورة يوليو1952 فأن تشابه الوقائع بين ما جرى و بين ما تتداعى بعد 30 يونيو 2013 يعيد التأكيد مرة اخرى على ان اليات بناء التاريخ و محركات الاحداث فيه ليست من قبيل الصدفة او الغيبيات وانما عوامل وضرورات لا يمكن فهم التاريخ الا من خلالها....

وعلى وجه العموم فان ما حدث في مصر منذ 30-يونيو-2013 (ايا كان موقعك منه مؤيدا او معارضا) فان له عده مستويات في التحليل قبل ان نذهب الى البدائل:

المستوى الاول: المستوى الداخلي:
على المستوى الداخلى فان هناك عده ابعاد....

البعد الاول : الحالة الثورية: وهو ما صكت الثورة بقواها مجتمعة مصطلح (الثورة مستمرة) للتعبير عنه...و هو انه ومنذ اندلاع ثورة 25 يناير ساد وهم عند عديد من القوى السياسية (دينة او اغير دينية) وايضا ساد نفس الوهم عند القوى الرئيسية في الدولة ان الثورة قد انتهت بزوال الرئيس السابق (مبارك) والحزب الوطني وبالتالى فان الخطوة الطبيعية التالية هي حياة نيابية دستورية طبيعية...وهو الامر الذي اشرت اليه سابقا ان هذا هو بالضبط طريق استيعاب ثورة 1919 العظيمة..لكن الواقع اثبت ان مصر تعيش الان حالة ثورية وهي حالة لا تنتهي الا بزوال الاسباب التي ادت اليه من الاساس...ومن الضروري التوضيح ان هذه الاحالة الثورية لا تختص بقوى دون الاخرى...بمعنى ان الحالة الثورية هذه تشمل كلا من المويدين و المعارضين لما جرى في 30 يونيو و المشتغلين وغير المشتغلين بالسياسة والشباب  والشيوخ...وبالتالي فكمت اشرت في مدونتي السابقىة (الثورة المصرية (3) في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة (الديمقراطية)) فان هذا النظام الديمقراطي اصبح غير صالح اضافة الى انه شوه الوضه السياسي عامة...

البعد الثاني: البعد النخبوي: وهو ما اشرت اليه ايضا في مدوني السابقة (الثورة المصرية (3) – حالة الثورة وحالة الدولة (الحرية)) وهو ان هذه الفوضى المرهقة لجميع المصريين تقوم بعمل بالغ الاهمية و هو استهلاك القيادات و النخب القديمة للمجتمع المصري على كافة مستوياته السياسية و الامنية و الجتماعية...لكن المذهل فيما جرى بعد 30 يونيو 2013 ان الجماهير المصرية كانت اسبق وارهق حسا من كل النخب و القيادات وهو ما يفتح المجال هذه اللحظة اللى زعامات وقيادات وكوادر شابة جديدة...ومن الضرورى هنا ايضا التوضيح ان هذه الحالة من التجديد النخبوي لا تخص قوى دون الاخرى (من المؤيدة او المعارضة ل30 يونيو وما بعدها) لكنها تشمل كل القوى دينية وغير دينية و التيارات و الاعمال والشركات و المؤسسات الحكومية....

البعد الثالث: التطور السياسي: وينبغي هنا ان نتوقف قليلا امام عملية التطور السياسي في مصر....وقد اشرت في مدونة سابقة (الثورة المصرية (3) في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة (الديمقراطية)) الى "ان النظام الديمقراطي لا يكون صالحا الا اذا كان يعكس صورة القوى الاجتماعية المؤثرة في مجتمع ما خلال لحظة تاريخية ما..وخلال هذه اللحظة التاريخية تدرك تلك القوى الاجتماعية المؤثرة جميعها (بالتراضي السلمي او بالامرالواقع) انها اضعف من ان تنفرد وحدها بالشأن الداخلي للبلاد واقوى من ان تزيحها قوة اخرى منافسة...وعند هذه المرحلة تقوم تلك القوى بصياغة مجموعة من المبادئ العامة والملزمة في وثيقة اصطلح على ان تسمى الدستور لكي تنقل هذه القوى الاجتماعية المؤثرة صراعها من الشكل الخشن باهظ التكاليف الاجتماعية الى شكل سلمي منخفض التكاليف الاجتماعية..." وتأسيسا على ذلك فان ما نراه من تدافع وصراع للقوى السياسية في هذه اللحظة هو في وافع الامر تطور في اتجاه نموذج ديمقراطي فعلى وليس نموذج ديمقراطي نظري او كلاسيكي..وقبل ان تثور اعتراضات بعض الاعزاء قراء هذه السطور (من "مؤيدي الشرعية..ورافضي الانقلاب" بحجة الرئيس المنتخب او الاحتكام الى الصناديق ممن يرون 30 يونيو وما بعده انقلابا على الديمقراطية) فانه ينبغي توضيح عدة نقاط –احسبها- هامة وحيوية:
1.       ان الديمقراطية ليست هدفا في حد ذاته انما هو وسيلة لممارسة الامم الحديثة (وليس الامم الدينية المؤسسة على العقيدة) للسيادة على ارضها و مواردها وامنها وثقافتها و حضارتها...والمهم هنا ان مفهوم "سيادة الامة" مفهوم حديث مرتبط بفكرة الشعب التي تحدثنا عنها في مدونة سابقة (الثورة المصرية (2) في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة (مفهوم الدولة))...ولتوضيح هذه النقطة نأخذ المسجد الاقصى وكنيسة القيامة في فلسطين مثالا..ولنفترض ان اسرائيل قبلت ان تنهي احتلالها للمسجد الاقصى وكنيسة القيامة وان تعيد السيادة عليهما للمسلمين..اذن هل تتحقق حينئذ سيادة الامة ؟؟وهل اذا نشأ نظام ديمقراطي معبر عن ارادة الامة سوف يرضى بذلك؟؟؟ 
2.       ان الديمقراطية كنظام حكم ليس هو وسيلة الحكم المثالية ولكنه افضل ما انتجته العقلية الانسانية على مدى تجربتها السياسية في ممارسة السلطة والحكم حتى اليوم...ولذلك عرفة بعض اساتذه علوم الاجتماع السياسي بانه "اقل الانطمة السياسية سوءا"...ودعواهم في ذلك ان النظام الديمقراطي يدخل الى المشهد السياسي كل تنوعات وثقافات الشعب الواحد في المشهد السياسي مما يودي الى (الشعبوية) وهي القدرة على تحريك الجماهير غير الواعية و توجيهها اما بالخطاب السياسي او بالمال والنفوذ الاجتماعي او الثقافي خصوصا بوسائل الاعلام الحديثة و هو ما قد يفرز "ديمقراطيا" نظام حكم استبدادي او فاشي وتكون نتيجته بالطبيعة كارثية...ولعل المثل الصارخ –وليس الوحيد على ذلك هو وصول "ادولف هتلر" الى السلطة في المانيا "ديمقراطيا" في 30 يناير1933.
3.       ان الديمقراطية انجاز حضاري غربي بامتياز....بمعنى ان التأسيس النظري و الملابسات التاريخية لنشأة وتطور النظام الديمقراطي دارت على ارض غربية و بثقافة غربية تتطور مع الزمن شأنها شأن اي ثقافة..وكان من عناصر تطور تلك الثقافة الغربية هو مفهوم "العلمانية" الذي نشأ وتطور بالتوازي مع مفهوم "الديمقراطية"..وقد ادى هذا التطور في النهاية الى ترسخ القيم و الاجراءات الديمقراطية جنبا الى جنب مع مفهوم علمنة الدولة بمعنى الا تتدخل الدولة في توجيه و استغلال الدين كما لا يتدخل الدين في توجيه واستغلال الدولة...وبصرف النظر عن مدى اقنتاع القارء بهذه الافكار الا ان ما يهمنا هي هذا السياق هو ان محاولة استنساخ نموذج اجرائي للديمقراطية في بيئتنا العربية و الاسلامية دون "علمنة" فسوف تواجه صعوبات وانتكاسات خطيرة ولن تنجح فيما اعتقد..ويبقى التحدي ما اذا كان من الممكن صناعة نموذج عربي اسلامي (بالمعنى الثقافي او التشريعي) للديمقراطية وهو طريق صعب و شاق ومحفوف بالمخاطر ويحتاج الى عقل ابداعي وهو مما لا يتسع المقام الان لمناقشته...
4.       ان الفقه الاسلامي المحافظ والذي استقر منذ تمكن الامويون من الحكم في اغلبه على عدم جواز الخروج على الحاكم وعلى ان الشورى هي لاهل الحل والعقد فقط يمر هذه الايام بمراجعات مهمة جدا تقتح الباب الى اجتهادات حقيقية في جميع المجالات...ولتوضيح هذه النقطة فان "مؤيدي الشرعية" يؤسسون فقهيا انحيازهم على عذم جواز الخروج على الحاكم ..فيرد عليهم اذن لماذا قبلتم الخروج على مبارك..فيردون انه لم يكن منتخبا بمعنى انه لا يجوز الخروج على حاكم "منتخب" وهذا تطور في حد ذاته ذلك ان فكرة الانتخاب بالمعنى الحديث لم تكن واردة في الفقه الاسلامي حتى الان...فيرد عليهم وهل هذا الانتخاب باراده الله ام بارادة الشعب ؟ بمعنى انه بما انه منتخب فهل يعطيه ذلك حقا في التفريط في حقوق الوطن والامه؟واذا كان بارادة الشعب فان الشعب هو من يسائله وليس الله في الدنيا...واذا كانت "الامامة" توجب السمع والطاعة للامام او الخليفة ما لم تكن في اثم اوفي معصية الخالق فان "الرئاسة" لا توجب طاعة باقي مؤسسات الدولة فيما يتعلق بالتفريط في الامن القومي او بحقوق الامة لان ذلك الشعب يمنح كل هذه الؤسسات بالدستور مهمة محددة ولا يختزل السلطة كلها في الامام او الرئيس....ان هذه الجدلية والمحاورات بين الفقه والتطورات الجارية في مصر تفتح بابا مهما جدا للتطور الفقهي في مستقبل الايام...
وخلاصة هذه النقطة ان التطور السياسي الحالي بالرغم من العقبات الظاهرة فيه و بالرغم من المتربصين به الا انه خطوات على الطريق الفعلي للديمقراطية...

البعد الرابع: بنية و بناء الدولة: وينبغي ان نفرق بين المعنيين...ف(بنية الدولة) هي تلك القواعد الراسخة التي ينبغي الاتفاق على وجودها لكي نمارس الحكم من خلال دولة اما (بناءالدولة) فهي مجموعة الاجراءات التي توصلنا الى هذه البنية...وعليه فان المراجعة النظرية لبنية الدولة كما ان الاجراءات الواجب اتخاذها في سبيل بناء هذه الدولة امر في منتهى الحيوية...اذ انني اعتقد ان المهمة الحالية ليست بالاساس بناء نظام..وانما بالاساس اعاده تأسيس للدولة مرة اخرى...

المستوى الثاني: المستوى الخارجي:
على المستوى الخارجي فان هناك عده ابعاد....

البعد الاول:امريكا و اسرائيل:  يحق لنا ان نسأل –دائما- اين الولايات المتحدة واسرائيل في كل مايجري...وقد اصبح معروفا الان طبيعة الدور التي تمارسه الولايات المتحدة الامريكية في دول الربيع العربي من مساندتها للاسلام السياسي في الوصول للسلطة...ومن الفيد الاضطلاع على جلسة الاستماع للكونجرس الامريكي في مسائلته للرئيس الامريكي باراك اوباما حول ال4 مليارات دولار اضافة للمساعدات غير النقدية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وسواء صح ذلك الخبر ام لا..الا انه وعلى وجه اليقين فان الولايات المتحدة خسرت نظاما –او شبه نظام- كانت تعتبره حليفا اكبر من نظام مبارك...لماذا؟؟؟اترك ذلك السؤال لتقديرك ايها القارء الكريم...
وبالنسبة لاسرائيل..فكما هي عادتها...فاجأها ما حدث..ولم يصدر عنها اي تصريح باستثناء تصريح رئيس الاركان عن سيناء ويحق لنا ان نتسائل...هل كانت راضية عن نظام الاحوال القائمة قبل 30 يونيو 2013...؟؟ اترك ذلك السؤال –ايضا- لتقديرك ايها القارء الكريم...

البعد الثاني:العالم العربي: اما العالم العربي فحدث عنه ولا حرج!!!...ولست اريد ان استفيض في هذه النقطة...لكن المهم ان بقاء مصر دولة وجيشا ومجتمعا هي  الضمان الموضوعي لكي يحافظ العالم العربي على بعض التماسك العربي ريثما يتخلص مما يتأكله من الامراض القطرية و القبلية و الطائفية والدينية...

البعد ثالث:الاقليم: واعني به على وجه التحديد تركيا و ايران....وهما ضلعي المثلث الذي ترتكز عليها المنطقة وثالثهما مصر...وبالنسبة لتركيا فان العلاقة الجدلية بين الاسلام السياسي والجتمع المدني العلماني والجيش التركي الذي هو عضو بحلف الناتو سوف يفرض على تركيا نوعا ن العلاقات المتكافئة مع مصر على اساس مدني اقتصادي وليس على اساس ديني عقائدي وهذا هو شكل التطور القادم –فيما اعتقد-...


اما بالنسبة لايران...فهي في تلك الفوضى العارمة في الشرق الاوسط تحاول مد نفوذها في جوارها الجعرافي (العراق-سوريا-افانستان-باكستان-الخليج العربي) واستكمال برنامجها النووي حتى تكون طرفا –كتركيا- في صياغة اوضاع الاقليم بعد هدوء عواصف الربيع العربي

البعد الرابع:اوروبا وافريقيا: واختص من اوروبا المانيا على وجه التحديد قلب اوروبا الصاعد والعنصر القوي المناوء لسياسات الولايات المتحدة في اوروبا...والدولة القادرة على قيادة اوروبا في المرحلة القادمة اقتصاديا وسياسيا...
اما بالنسبة لافريقيا فاني اختص منها على وجه التجديد دول حوض النيل حيث الكارثة التي احدثها النظام السابق وهو ما اعتقد انه من اصعب تحديات الفترة القادمة...

البعد الخامس:الدول الكبرى في العالم: واعني بها على وجه التحديد روسيا والصين... وهما الدولتان المناوئان للمخططات الامريكية في المنطقة..وسلوكهما في سوريا وايران اصبح واضحا ولا يحتاج الى كثير من التحليل  في مواجهة الخططات الامريكسة في منطقة الشرق الاوسط...

ومن مجمل ماسبق سواء على المستوى الداخلي او على المستوى الخارجي  فان ماجرى منذ 30 يونيو 2013 و ما بعدها وهو بالضبط ما اتاح للارادة المصرية قدرا اوسع من البدائل وهو مالم يكن متاحا قبل ثورة يناير...الى ان جاء 25 يناير2011 وحاولو الالتفاف عليه ثم جاء 30-يونيو2013 وصحح مساره...

ويخطئ قارئ هذه السطور اذا كان يعتقد اني سوف القي اليه بالبدائل لكي يختار منها...لكن الغرض من العرض السابق هو محاولة اقامة حوار مع الثورة...وهو الامر الذي كنت اخشاه من الاغراق في برامج تتحدث عن الثورة وليس معها(راجع مدونتي الثورة المصرية  (12) في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة (حوار الثورة)) ...هذا الحوار مع الثورة يتم من خلال استعراض تحليل عام يواجة تصحيح مسار الثورة في 30 يونيو2013...والمعنى المراد هو ان تسأل نفسك ما هو موقف مصر بعد 30 يونيو 2013 وما اتاحه لها هذا اليوم العظيم ازاء كل بعد من الابعاد السالفة الذكر؟؟؟؟ومن ثم ماذا تقدر مصر ان تفعله؟؟؟...وهنا –وهنا فقط- تتجلى البدائل الحقيقية امام مصر....

اما عن اخر ركن من اركان الاختيار (وهو المسؤولية)... 

فان ذلك...له حديث اخر