Thursday, February 19, 2015

على الطريق...الى دولة الثورة او ثورة الدولة
مقدمة
مرحبا...
قد توقفت فترة من الوقت عن المشاركة بالكلمة المكتوبة فى التطورات الجارية في مصرنا الحبيبة مختارا...غير انني بالطبع لم تتوقف مشاركتي بالكلمة المنطوقة و المناقشة طوال هذه الفترة...
على انني ابدأ قريبا سلسلة مقالات جديدة بعنوان (على الطريق...الى دولة الثورة او ثورة الدولة)....وهي السلسلة الثالثة بعد الاولى (الثورة المصرية: في بداية العقد الثاني من الالفية الثالثة)...والثانية (الثورة المصرية: حالة الثورة وحالة الدولة)...

واذ انحي انحيازاتي وقناعاتي جانبا في مقدمة السلسلة الثالثة فان فترة التوقف تلك كانت عن عدة اعتبارات :

اولا: انني اعتقد ان الكلمة المكتوبة هي سجل تثبت فيه مواقف قائليها فتكون حجة عليهم في مستقبل الايام ... لان "الكلمة المكتوبة" التي اعنيها تختلف عن "التصريحات الاعلامية" و عن ال"Post" على مواقع التواصل الاجتماعي...فان حجم الامانة –خصوصا في هذه الظروف التي نعبر بها جميعا- تقتضي منا التريث في اداء تلك الامانة مهما صغرت فلا تتغير كلماتنا طبقا لمقتضيات الظروف –وهو ما يقع بطبيعة الحال- فاذا بنا نلجأ لتفسير في غير محله او لتبرير في غير موضعه كل حسب قناعاته و انحيازاته... وهو ما يستوجب ان تكون الكتابة بتريث...

ثانيا: انني اعتقد اننا جميعا في هذه اللحظة –واعني جميعا على الاطلاق كل حسب قناعاته- لا نخوض فقط معركة افكار وانما نخوض وتمارس علينا في نفس الوقت معركة معلومات واخبار و صور...واذا كانت معركة الافكار في طاقة و مجال "العمل الذهني" فان معركة المعلومات والاخبار و الصور في طاقة و مجال "العمل السياسي" و هما مجالان وان كانا يتقاطعان الا دخول الجماهير العربية على الخط عقب الثورات العربية وتفجر الامال والتطلعات الشعبية ادى الى خلط ما هو عمل "ذهني/فكري" بما هو "سياسي/تنفيذي" وهو ما ادى –واقعا- الى تلك الفوضى العامة...وفي ظروف كتلك التي ذكرت تأتي الكلمة المكتوبة عنصرا هاما في ضبط تلك الفوضى... وهو ما يستوجب ان تكون الكتابة بأمانة و تريث...

ثالثا: انني اعتقد ان انغماسنا جميعا في قضايانا الداخلية جعلنا جميعا ننسي اننا نعيش في عالم يقدر ب7 مليارات نسمة حتى عام 2011 طبقا للامم المتحدة (يشكل العرب منه 367.4 مليون نسمة اي ما نسبته 5.2% وتشكل مصر وحدها قرابة ثلث العالم العربي و يشكل المسيحيون العرب على اختلاف طوائفهم منه 13 الى 15 مليون نسمة والباقي من المسلمين على اختلاف طوائفهم طبقا لتقديرات وزارة الخارجية الاسرائيلية حتى عام 2011) اي اننا نعيش في عالم كبير جدا تتداخل مصالحه و تتشابك توجهاته وتتعارض قناعاته ونحن بعد كل ذلك الطرف الاضعف وبالتالي فنحن الاكثر عرضة للاختراق اذ ان تحت ايدينا بعض مطالب هذا العالم الكبير (الاسواق...الموقع الجغرافي الحاكم...الثراوات الطبيعية..الاماكن المقدسة للاديان الثلاثة و مهبط الرسالات السماوية جميعها..مصادر الطاقة القليدية والمتجددة...الايدي العاملة...الخ) و بالتبعية فان التفاعلات و التطورات الحادثة في العالم هي حتما مؤثرة في قضايانا الداخلية والعكس صحيح ايضا اذ ان تفاعلات قضاينا الداخلية هي مؤثرة حتما في تفاعلات العالم...و عليه يكون اغفالنا لهذا البعد واحدا من اهم الشواهد على قصورنا جميعا في معالجة و تناول قضاينا الداخلية....وهنا فان للكلمة المكتوبة اهمية قصوى (وهو ما ليس متاحا للصورة المنقولة) في تسجل المناخ و السياق التاريخي و الاجتماعي والسياسي للحدث الذي نتناوله لانها تتحول مع مرور الوقت الى جزء هام من الذاكرة الجماعية للشعب... وهو ما يستوجب ان تكون الكتابة بوعي و تريث...

رابعا: انني اعتقد ان الحديث في الشأن العام و السياسي يختلف عن ممارسته في موقع المسؤولية...وبتوضيح اكثر فان الحديث عن ان هذا خطأ وهذا صواب او ان هذا حرام وهذا حلال يختلف عن ان تكون انت المشرع او ان تكون انت المفتي وهذا بدوره يختلف عن ان تكون انت من ينفذ هذا او ذاك...فعندما تكون شخصا يطالب بالحرية فهذا بدوره يختلف عن انت تكون انت من يشرع قانونا او يفتي فتوى لضبط تلك الحرية و ذلك بدوره يختلف عن ان تكون انت المسؤول عن امضاء هذه الحرية او الحد منها عندما تخرج من حيز الحرية الى حيز الفوضى او الى حيز الاستبداد...وبين حيز الافراط وحيز التفريط بتحرك كل منا بقناعاته و انحيازاته المسبقة التي –بحكم التنوع- تختلف في احيان و تتفق في احيان اخرى..ونتيجة ذلك نرى خلطا –يتحول بعد ذلك عبث- اذ نرى قانونيون يتحدثون كثوار ورجال دين يتحدثون كرجال دولة ورجال دولة يتحدثون كثوار ومعارضون سياسيون  يتحدثون كحقوقيين...ثم يؤدي ذلك العبث الى بلبلة في اذهان الجماهير تعقبها حيرة تؤدي الى احباط عام...وهنا فان الكلمة المكتوبة ينبغي ان تكون معبرة بالدرجة الاولى عن موقع كاتبها مواطن كان ام سياسيا رجل دولة ام فقيها...ثائر حر ليس بيده مسؤولية ام رجل دولة تتعلق بقرار منه مصائر امة بأسرها...وهو ما يستوجب ان تكون الكتابة بمسؤولية وتريث...

خامسا: انني اعتقد ان هناك فارقا بين النقد و بين النقض وقد اشرت الى ذلك تفصيلا في مقال سابق...الا انني اضيف هنا الى ذلك انه حتى في حالتي النقد و النقض فانهما لا يكفيان وحدهما في هذه الظروف التي نمر بها جميعا اذ ينبغي ايضا ان نضع البدائل...اي انه لايكفي في حالات الضطراب والقلق الاشارة الى الخطأ فقط بل ينبغي الاشارة الى الصواب ايضا...ولا يحتج احد بانه لا احد يسمع...ذلك انه ابتداء فان الغالبية الكاسحة من المشتركين في العمل العام لم يفعلو ذلك...فاذا قال البعض قلنا ولم يسمع لنا فعليهم ان يتذكروا ان غيرهم قال ايضا وبالتالي فان بدائل كثيرة تتطرح للمناقشة العامة ثم لا يكون لا بديل مختار واحد يوضع موضع التنفيذ فلا تكون ردة الفعل ساعتها هو نقض كل ما هو موجود لان رأيي لم يؤخذ به...فان احتج اخر بانه لا يسمع لاحد على الاطلاق فاني اذكرهم بان النظام في الصين كان يقينا لا يستمع لاحد الا ان الشعب لم يصرف طاقته هناك رغم ذلك الى نقض كل ما هو قائم وكفى لكنه سلك طريقا اخر هو ما اوصله الى ما نراه الان من الصين الحديثة...وهنا تكون الكلمة المكتوبة ذخيرة عامرة بالبدائل و الافكار نأخذ منها ونرد..نعرف منها وننكر...وهي قبل كل شيئ شاهد على اننا نساعد ما استطعنا...اذ انه في نهاية الامر وطن واحد...وهو ما يستوجب ان تكون الكتابة بعلم وتريث...

سادسا: انني اعتقد ان هناك مشكلة كبيرة في ضبط مفايهم واصطلاحات تؤدي الى المغالاة والشطط في مواقف عدد كبيرا من المشتغلين بالعمل العام...وصيح ان تلك طبيعة الثورات والمراحل الانتقالية والمضطربة لدى الشعوب وهو قد يجوز لدى الاتباع  الا انه لا يكون مقبولا لدى نخب هؤلاء الاتباع..وليس يعنيني هنا مناقشة تلك القناعات ولكن يعنيني هنا ان ضبط المفاهيم والمصطلحات التي نتجادل حولها وبها يساعد كثيرا على ايجاد مواقف مشتركة حتى بين هؤلاء الذين تتعارض قناعاتهم وتلك مسؤولية هؤلاء النخب الا ان هذا الموضوع ليس مقامه الان و اما الذي هنا مقامه هو المغالاة و الشطط لدى هؤلاء الاتباع الناتجة عن هذه المشكلة في ضبط المفاهيم و الاصطلاحات التي يستخدمونها في التعبير...وبتوضيح اكثر فاننا حين نتحدث مثلا عن رجل دين منحرف او عن سياسي غادر او عن تنفيذي غير كفئ فان تلك النخب تزايد على بعضها نفاقا لاتباعها تخلط بين المفاهيم و الاصطلاحات في امر هذا الرجل او ذاك السياسي او ذلك التنفيذي..ثم يتبنى الاتباع عن غير وعي تلك المفاهيم ويعيدون تكراراها  فاذا الامر يتجاوز الى المرؤوسين له او الى رؤسائه او الى المؤسسة ذاتها ثم الى الواقع ككل فاذا حادثة تحرش تنتهي الى المطالبة برحيل النظام ولا تملك ساعتها تلك النخب الا ان تعلي سقف المزايدة حتة تساير الاتباع خوفا من اتهامهم بالتخاذل او كسبا لمزيد من الاتباع...وفي مثال ملوك طوائف الاندلس عبرة لا تخطئها عين...و هنا فان الكلمة المكتوبة تصبح معول هدم بالاثارة والتحريض او معول بناء بترشيد وضبط الضغط السياسي وترسيخ العقل النقدي لدى الاتباع بتحليل الاخطاء للوصول لاسبابها الحقيقية حتى لا تتكرر مرة اخرى...و هو ما يستوجبان تكون الكتابة بعمق وتريث...

سابعا: انني اعتقد ان برامج الTalk show  و وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة قد بدأت تضر بأكثر مما تنفع حتى بين ابناء القناعة الواحدة وذلك لسببين رئيسيين:
السبب الاول: وهو ان هذه الوسائل كانت السبيل الوحيد للتعبير و الفعل السياسي على السواء خصوصا بين الشباب فيما قبل عام 2011 (عام الثورات العربية) فلما اصبح الشعب حاضرا في المشهد السياسي بعد ذلك عاد العالم الحقيقي وليس العالم الافتراضي ليكون هو ساحة الحركة الرئيسية ومجال الشد والجذب بين كل فريق..الا ان البعض ظلوا على ولائهم لتلك الوسائل..ولم يكن معهم في ذلك العالم الافترضي ساعتها احد اذ يقدر عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي حتى عام 2011 بحوالي 65.4 مليون شخص اي ما نسبته 19% فقط (وكانت نسبة مصر 35.6 مستخدم لكل 100 مستخدم للانترنت طبقا لاحصائية اصدرها البنك الدولي عام 2011) وهو ما اوجد عزلة تصور اصحابها انها اتصالا..
السبب الثاني: وهو ان هذه الوسائل اوحت لمستخدميها بنوع من ال"جمهور الافتراضي" او بأنهم "زعامات افتراضية" و هذا الوهم كرس عزلة لهؤلاء المستخدمين لها واذا ببعضهم يتحزب و "يناضل او يجاهد افتراضيا" واهما ان "جماهير افتراضية" تترقب كلماته و تراقب مواقفه وهذا وهم كبير جعل من هذه الوسائل نوعا من ال"جيتو الاقتراضي" اي احياء منغلقة على نفسها يتصور اصحابها انهم يناضلون او يجاهدون ..يناصرون او يعارضون بينما هم يخاطبون اصحابهم وفقط وبالتالي فان هذا الجيتو اصبح يخاطب نفسه ويكرر قناعاته دون ان يخضعها للجدل العام ويهذب منها و يطورها اذ ان الحيققة الحقيقية هي في علم الله فقط وما نعلمه فان فوقه عليم..وبالتالي اصبحت كل عبارة حكمة.. و كل رأي فلسفة.. وكل موقف بطولة..وكل صاحب Post زعيم...و الظن بالزعامة مغر ولا شك...الا ان الظن لا يغني من الحق شيئا..وهنا ينبغي للكلمة المكتوبة ان تكون عارفة بمستمعيها واحوالهم الحقيقية –وليس الافتراضية- متجردة عن تمجيدهم لها –اوظنها بذلك-...وهو مايستوجب ان تكون الكتابة بمعرفة و تجرد و تريث...

ان اكتب بتريث و امانة و وعي و مسؤولية و علم و عمق و معرفة و تجرد ما وفقني الله من ذلك...هذا ما احاوله فيما سبق وما احاوله فيما هو ات...

ومن هنا...ابدأ...