الثورة المصرية (2)
اما بعد....
فهذا استكمال لحديث يحاول ان يؤدي دوره بأوضح قدر ممكن من التواضع الانساني تجاه شعب اعطانا ويعطينا الكثير و تجاه ثورته التي علمتنا و علمت العالم الكثير...
وخلاصة الفكرة السابقة انه ينبغي علينا ان ندرك ان ثورة ال25-من يناير-2011 (واتصالا بالتاريخ المصري) هي حلقة ضمن حلقات الكفاح المصري خاصة والانساني عامة ..اي ان هذه الثورة ليست بداية في حد ذاتها ولا نهاية في حد ذاتها
تاسيسا على ذلك..فانه من اهم مكاسب هذه الثورة هو المحاولة لصياغة وترسيخ مفهوم الدولة المصرية
واذا ما عدنا الى التاريخ الانساني مرة اخرى (وهو مستودع الخبرة الانسانية المتراكمة) فان علينا ان نتبين عده امور خلال مراحل تطوره السياسي:
في البدء وعندما بدأ الانسان يعيد تشكيل نفسه في اطار مجموعات انسانية متفرقة فانه بشكل واع او غير واع كان فيما بينه وبين تلك المجموعات الانسانية يدير الامن والثقافة و النسل (وتعبر مرحلة الرعي القبلي بشكل كبير عن تلك المرحلة من تاريخ التطور لانساني) وفي هذه المرحلة ظهر مفهوم البلاد كوحدة سياسية اكثر رقيا تعتمد بنيتها على القبيلة الرعوية
وباكتشاف الانسان للزراعة وبالتالي قدرته على تخزين قوته بدلا من السعي وراءه ثم اسقراره حول اماكن الانهار فانه بشكل واع او غير واع كان فيما بينه وبين تلك المجموعات الانسانية يدير الامن والثقافة و النسل والثروة (وتعبر مرحلة القبائل الكبرى المستقرة بشكل كبير عن تلك المرحلة من تاريخ التطور لانساني) وفي هذه المرحلة تطورمفهوم البلاد كوحدة سياسية اكثر رقيا تعتمد بنيتها على القبائل الكبرى المستقرة اضافة الى القبائل الرعوية الاقل شأنا
وباختراع الانسان للكتابة واعتماده عليها في انشطته اليومية فقد استطاع ان يضيف بشكل واع او غير واع رابطة جديدة وهي التاريخ المشترك لمجموعته الانسانية
وبالامتداد في التاريخ ينشأ مفهوم الشعب
وعندما تراكمت هذه العناصر كلها لكل مجموعة انسانية ناشئة على حده على مر السنين فان التقاء هذه المجوعات الانسانية مع بعضها البعض والاحتكاكات الحضارية فيما بينها من ناحية...والظروف الجغرافية التي دعمت او حالت دون تمدد هذه الجماعات في الارض من ناحية اخرى اصبح نقطة فاصلة في التاريخ الانساني...
فالظروف الجغرافية التي دعمت او حالت دون تمدد هذة المجموعات الانسانية في الارض صنعت اوطانا
والاحتكاكات الحضارية بين هذه المجموعات الانسانية صنعت امما
بمعنى اخر...وتحديدا فيما يتعلق باحوالنا الخاصة
فان القبائل المستقرة حول الانهار وفي الوديان اضافة الى القبائل المرتحلة كونت عبر التاريخ بلادا عربية
والظروف الجغرافية التي دعمت اوحالت دون تمدد هذه القبائل كونت وطنا عربيا
والاحتكاكات الحضارية بين هذا الوطن وبين غيره من الاوطان كون بالتناقض الطبيعي امة عربية
وعند كل مرحلة من تلك المراحل كان من الضروري ايجاد صيغة اكثر قدرة على ادارة الامن والثقافة والنسل والثروة و التاريخ لكل من القبائل و البلاد والاوطان والامم
وفي البداية كانت القوة هي تلك الصيغة في مرحلة التكوين للمجموعات الانسانية المتفرقة وفي هذه المرحلة كان الاقوى من هذه المجموعات يفرض مايريده على غيره دون وازع الا من دافع البقاء
ثم تطورت الى العرف في مرحلة التكوين للمجموعات القبلية المستقرة منها و الرحالة وفي هذه المرحلة فان قدرا من الاخلاق اصبح يتنامى داخل المجتمع القبلي الواحد بحيث يشكل مع دافع البقاء ثنائية تدير العلاقات الانسانية داخل ذلك المجتمع القبلي الواحد
ثم الى السلطة...
وهنا فقد كان مفهوم البلاد قد تبلور واصبح هو الوحدة السياسية الاكثر تطورا في ذلك الوقت وبالتالي فقد نشأت الحاجة الى القدرة على فرض العقاب في مجتمع يحتوي اكثر من قبيلة لديها مجموعات متنوعة من القيم والاخلاق تشكل مجموعت من الاعراف لكل منها دوافع بقائها استنادا الى قوة بعينها لكنها –وهنا نقطة فارقة- ان جميع هذة العناصر تنتمي الى مجتمع انساني واحد متجانس برغم التنوع فيه
ثم الحكم...
وهنا و عند هذه المرحلة كانت المجتمعات تنتقل تدريجيا من مفهوم البلاد الى مفهوم الوطن ذلك انه في هذه المرحلة وبالتراكم الحضاري للمجتمع عبر التاريخ ادرك المجتمع ان عليه ان يقسم الادوار بين ابناءه بشكل طوعي –وفي بعض الاحيان بشكل جبري- بصورة اكثر تعقيدا من صورة تقسيم العمل بشكلها البسيط عندما اكتشف الزراعة
فهناك دور لحماية الوطن من الاخطار الخارجية فنشأ الجيش النظامي كصورة اكثر تعقيدا من مجرد التنادي للدفاع عن البلاد ضد خطر يتهددهم الان فاذا انفض ذلك الخطر انفض الناس عائدين الى اعمالهم العادية
وهناك دور للفصل في النزاعات فنشأ القانون والمحاكم كصورة اكثر تعقيدا من مجرد التحاكم لدى كبير القوم او مجرد فرض العقاب على المذنبين
وهناك...وهناك...الخ
ثم النظام...
وعند هذه المرحلة فان مفهوم الوطن يكون قد ترسخ بالكامل في نفوس ابناء المجتمع الواحد كما ان هذا الوطن يكون قد حدد موقعه و دوره بالنسبة الى الامة التي ينتمي اليها وكذلك بالنسبة الى العالم...
وهنا فانه يدرك نسبية المعايير التي اصبح يتعامل بها مع غيره من المجتمعات ويصبح قادرا على استيراد وتصدير خطط او افكار تدير موارد المجتمع على نحو امثل..كما انه يدرك اهمية التمثيل الدائم له في المجتمعات الاخرى (بعثات دبلوماسية,سفارات,..الخ) مما يدعم قدرته في التخاطب مع العالم..وهنا فان المجتمع يفوض طوعا مجموعة من الافراد يقومون بهذه الاعباء في اطار تقسيم الادوار.
ثم الدولة...
وهي الصورة الارقى للتشكيل المجتمعي في مرحلة ما...
وفي هذه المرحلة واضافة الى كل مميزات المراحل السابقة فان الدولة تتميز بعدة امور:
1. القدرة الفائقة على دمج عناصر الشعب الواحد (طبقيا, اقلية,..الخ)
2. القدرة الفائقة للشعب الواحد على ادارة حياته ادارة واعية وفق ما ترسخ من تقسيم وتوزيع للادوار بصرف النظر عن طبيعة النظام الذي يدير ويوجه ذلك الشعب
3. التحديد الواضح لمكامن الامن القومي والمصالح القومية للشعب الواحد
وفي سبيل ذلك تمتاز الدولة بما يسمى ب(سلطة القهر المشروع) وهي تختلف عن سلطة فرض العقاب و سلطة الفصل في النزاعات ذلك ان الدولة تصبح قادرة وبشكل مشروع على اتخاذ عدد من الاجراءات قد تكون متنافية مع حقوق هؤلاء الذين تتخذ ضدهم...وتتجلى هذه المرحلة عندما يترسخ مفهوم المواطنة كتعبير عن حق كل فرد من افراد المجتمع الواحد في مجتمعه حقا لا يقبل مناقشة او تجزيئا
وهذا هو اهم ما ينبغي تدعيمه في هذه الثورة...
ومن المهم الانتباه ان التشكيل المجتمعي ليس له قانون يمكن التنبؤ به في المستقبل..بمعنى انه قد ينشأ في المستقبل صور اكثر تعقيدا واكثر فاعلية من فكرة الدولة التى تعتبر اليوم ارقى صور التشكيل المجتمعي في العصر الحديث
اما عن الديمقراطية
فان لها حديثا اخر