Wednesday, February 13, 2013

الثورة المصرية (حالة الثورة و حالة الدولة)......المعرفة



مرحبا...

مر وقت طويل نوعا ما منذ بداية هذه السلسلة الجديدة (حالة الثورة وحالة الدولة)..و كان سبب ذلك التأخير اضطرارا في بعض الاحيان و اختيارا في معظم الاحيان...ذلك انه في حالة الهرج او الفوضى تصبح الحكمة او كلام العقل او حتى مجرد الهدوء و التأني تزيدا لا يحتمله الموقف...
و حديثنا اليوم يدور حول اولى عناصر الاختيار و هو (المعرفة)....
  •  ترى ماذا نعرف عن مصر؟
  •  ماذا نعرف عن جوارها العربي قبل وبعد ربيع ثوراته؟
  • ماذا نعرف عن العالم و متغيراته؟
  • ماذا نعرف عن دور امريكا واسرائيل فيما يجري عندنا من احداث؟
وحتى لا نغرق في تفاصيل التحليلات و ما اكثرها هذه الايام فيكفينا ان نتوقف اما عدة حقائق تتعلق باتساؤلات الثلاثة سالفة الذكر:
  •  ان تعداد سكان جمهورية مصر العربية يوازي وحده ثلث سكان العالم العربي (يقدر تعداد الشعب المصري ب 91 مليون مصري ووصل عدد سكان مصـر بالداخل إلى 83 مليون نسمه، تبلـغ نسبـة الذكور منهم 50.7 بالمئة، ونسبة الإناث 49.3 بالمئة وفقا لوكالة "الأناضول"نقلا عن"الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء و المنشور بجريدة العربية الالكترونية بتاريخ 30-اغسطس-2012))
  • سكان مصر يشغلون فقط حوالي 13% من اجمالي مساحة الجمهورية
  •   ان مصر تمتلك اهم مجرى ملاحي مائي في العالم و هو قناة السويس
  • يعتبر الازهر الشريف المرجعية الاولى للعالم السني الاسلامي
  • تعتبر الكنيسة المصرية المرجعية الاولى للعالم الاورثوذوكسي المسيحي (ويقدر عدد المسيحيين في مصر بمصر5 ملايين و 130 ألفا نسمة طبقا للواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن أول إحصائية رسمية لعدد المسيحيين والمنشورة بجريدة الوفد بتاريخ 25-سبتمبر-2012)
  • تحتوي مصر على حوالي ثلثي اثار العالم
  • تحتوي مصر على عدد كبير من اضرحة ال البيت النبوي الشريف (يقدر عدد الشيعة في مصر ب مليون و800 الف طبقا لمحمود جابر رئيس حزب التحرير الشيعي في مصر بتاريخ 20-مايو-2012)
  • تحتوي مصر على عدد كبير من اضرحة اقطاب المذاهب الصوفية (يقدر عدد المتصوفة في مصر ب15 مليونا و عدد الطرق الصوفية ب76 طريقة صوفية طبقا للاحصلء الذي نشرته مجلة روزا اليوسف الالكترونية بتاريخ 5-يونيو-2012 )
  • يشكل سكان العشوائيات في مصر حوالي 38% من عدد السكان موزعين في حوالي 20 محافظة (طبقا لتقرير المركز القومي للتعبئة العامة والاحصاء الصادر عن العشوائيات في مصر لسنة 2011)
  • يعتبر الجيش المصري حاليا اقوى و اهم جيش وطني نظامي في العالم العربي
  • مصر هي دولة المصب الوحيدة لنهر النيل
  • تحتوي مصر على السد العالي الذي يعتبر اكبر مشروع في القرن العشرين و من اهم المزارات السياحية و هو الذي انقذ مصر من موجات الجفاف التي اجتاحت اقريقيا في النهاية السبعينات و منتصف الثمانينات
  • يعتبر الشعب المصري من الشعوب القليلة المتطابقة جينيا (على المستوى البيولوجي الجيني)  بنسبة 97% متجاوزا بذلك الاديان والطوائف و المذاهب و التوزيع الجغرافي الخ...
  • نسبة البطالة في مصر حوالي 13% (طبقا لتصريحات د.هشام قنديل رئيس الوزراء المصري على الصفحة الالكترونية لجريدة اخبار اليوم اليومية بتاريخ السبت 29-سبتمبر-2012)
  • عدد الحاصلين على درجتي الماجستير و الدكتوراه في مختلف التخصصات في مصر حوالي 17الف فرد و جميعهم من العاطلين (طبقا لتقرير د.جيهان عبد الرحمن القائمة بأعمال رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة في لجنة الاستماع بمجلس الشورى المنشور بتاريخ الثلاثاء 5-فبراير-2013)

ماذا تعني هذه الحقائق و الارقام.....؟؟
ان قراءة مثل هذه الحقائق دون الانحياز المسبق لاتجاه ما اوالى ايدولوجية بعينها يعطينا صورة تقريبية عن حجم ما نواجهه كمصريين حكومة و شعبا...اخذين بعين الاعتبار اننا استعرضنا بعض الحقائق (بعض الحقائق فقط مرة اخرى) ولم نتناول مثلا التركيب الطبقي للمجتمع المصري الحديث و تفاعلاته...او طبيعة السلطة و الجهاز الاداري في مصر منذ انهيار الخلافة العثمانية و في العصر الحديث....او تطور الدولة  المنظومة القضائية في مصر منذ عهد الاجتهادات و المدارس الفقية الى القواعد الحديثة للقانون المدني....او موارد مصر الطبيعية....الخ
وتقودنا هذه الارقام والحقائق الى ان المجتمع المصري يمتلك من عناصر القوه و التماسك ما يستطيع به تجاوز عقباته  في اقصر و قت ممكن لكن اهمال هذه العناصر قد تتحول تدريجيا الى عوامل للتفتيت والهدم...
وفيما اتصور فان حالة التخبط و التردد التي تمر بها مصر في هذه الايام (وهي طبيعية بعد الثورات) وبصرف النظر عن الصراع السياسي القائم حاليا (و هو امر طبيعي في جميع المجتمعات الانسانية كما ان له سابقة في التاريخ العربي والاسلامي منذ الخلافة الاموية وحتى العثمانية) فان حالة التخبط تلك ناجمة عن عدم ادراك كامل او حقيقي لحجم ما نواجهه جميعا من حقائق الحاضر و ضرورات المستقبل...ولست اتحدث هنا عن النظام الحالي وفقط و انما اتحدث عن عن كل قوى المجتمع المصري و المؤثرة في المشهد السياسي في هذه المرحلة...
ان مجموعة الحقائق و الارقام التي استعرضناها (واذكر مرة اخرى انها مجرد استعراض سريع يعطي صورة انطباعية وهي ليست الحقائق الاهم) تفرض علينا

 اولا وقبل كل شيئ التسليم بالامتداد الثقافي من ماضينا الى حاضرنا وصولا الى مستقبلنا...بمعنى الا نسمح لانحياز ما او ختيار عقائدي ما ان ينسخ او يمسخ حقبة تاريخية او مرحلة سابقة عليه او ان يحاكمها و يحكم عليها خارج اطار عصرها و زمانها...بمعنى ان اؤلئك الذين ينحون نحو المطالب الليبرالية و الديمقراطية لا يصح و لا ينبغي ان يقيموا عصر الدولة العربية او الخلافة بالمعايير الديمقراطية و الا فسوف نحكم عليها بمعايير عصرنا هذا بانها محض استبداد مطلق بينما و الحقيقة انها لم تكن بهذا الشكل المبالغ فيه..من ناحية اخرى فان رجلا بقامة (جمال الدين الافغاني) في تاريخ الحركة الاسلامية  كان هو اول من صك تعبير (المستبد المستنير) فاذا بالحركات الاسلامية في صراعها السياسي مع المرحلة الناصرية تنادي بالتعددية وتنأى بنفسها عن تلك المقولة وتتبنى (وهي لازالت تحت وطأة الملاحقة و الاقصاء) مقولات حداثية عن الحريات و التقدم و الديمقراطية...
ان مثل هذا النوع من الخلاف السياسي و الانحياز الايدولوجي مشروع و مفهوم في جميع المجتمعات الحديثة...لكن المشكلة تكمن في ان نقص المعرفة باحوال العالم الذي نحن فيه و طبيعة الوطن الذي نحيا عليه يجعل يجعل الحد الادنى من التزامنا الخلقي و السياسي  والاجتماعي متفاوتا بدرجة..وهو ما يفتح ثغرات في المجتمع سواء من الدخل او من الخارج...

واستمرارا في نفس السياق فمن المفيد ان ننظر الى مجتمعات الغرب او اسرائيل لنكتشف البون الشاسع بين علاقة ماضيهم بحاضرهم و مستقبلهم...فمن المعروف على سبيل المثال ان في اسرائيل حركات للسلام مع العرب و منظمات حقوقية واحزاب يمينية يهودية و حزاب علمانية و حركات الحادية وهناك قول مأثور عن ديفيد بن جوريون مؤسس اسرائيل عندما احتدمت حرب 1948 "لست ادري ان كان هناك اله في السماء ام لا ..لكن ان كان هناك احد فهو بالتأكيد معنا" وهي صورة تعطينا توصيفا لطبيعة الاخلاط البشرية والعقدية والدينية و الدينية و القومية التي شكلت و تشكل اسرائيل..في قضاياهم الداخلية تراهم في قمة الاختلاف و التباين وحدث في ذلك ولاحرج لكن المثير ان حرمة الدم الاسرائيلي/اليهودي مسألة لا تقبل المناقشة ومسألة الارض و مسألة التاريخ المشترك كلها مسائل اجماع وطني تصل الى مستوى البديهيات لدى المجتمع الاسرائيلي/اليهودي...(وهنا ملاحظة جديرة بالتأملفي جولتي الحرب بين مصر و اسرائيل عام 1967 والتي انتصرت فيها اسرائيل و عام 1973 والتي انتصرت فيها مصر...وما ينبغي ملاحظته هنا هو ان الحقبة الناصرية ورجالها ظلت موصومة بعار النكسة  بينما لم تقل مكان ومكانة موشي ديان ولا جولدا مائير ولا حتى بن جوريون بعد حرب اكتوبر)

ثانيا تفرض علينا مجموعة تلك الحقائق حلولا لمشكلاتنا القريبة الحالية مبتكرة و غير تقليدية و احيانا استثنائية...ولنأخذ قضية العدالة الاجتماعية كنموذج...

ولست هنا بموضع اقتراح لحول او حتى مناقشة حلول للعدالة الاجتماعية...فذلك له موضع اخر ان شاء الله...

لكن المشكلة تكمن في ان تعبير "العدالة الاجتماعية" تعبير عام تقرأه كل جماعة انسانية كما اشرت في فك الارتباط كل حسب ما توافر لها من محددات الرؤية المجتمعية..
فهي عن البعض "اجراءات تحد من المبادرات الفردية للرأسمالية" وعند اخرين "اعانات بطالة تتحملها الدولة" وعند اخرين "توفير وظائف للشباب" وعند اخرين "ترشيد سياسة الدعم"....الخ
وعلى سبيل المثال...فان رئيس الولايات المتحدة (باراك اوباما) معقل الرأسمالية في العالم اتخذ قرارا ايدته المحكمة الفيدرالية العليا (في يونيو/ يوليو 2012) بان يغطي التأمين الصحي الكامل كل المواطنين الامريكيين اللذين كانوا خارج غطاء التأمين الصحي (وعددهم 40 مليون شخص ليسو من دافعي الضرائب) ومن اموال دافعي الضرائب من رجال الاعمال والاغنياء...والشاهد ان ذلك اجراء اشتراكي بامتياز وهو ما كانت الولايات المتحدة تحاربه في العالم انتصارا للمبادرة الفردية ومبادئ الرأسمالية انها وفي سبيل تحقيق عدالتها الاجتماعية صاغت من واقعها -ومن واقعها فقط- ما يتناسب مع احتياجاتها بالرغم من تعارضه ولو ظاهريا مع مبادئها...

وفي تقديري ان العدالة الاجتماعية كونها تعبير عام ينبغي ان تصاغ –في الظروف الموضوعية لمصر وخصوصا بعد ثورة بحجم 25 يناير- من مختلف الرؤى المجتمعية مجتمعة وليس على اسس نظرية لتيار واحد...وهو ما يعني توسيع قاعدة المستفيدين بهذه العدالة الاجتماعية لتتخطى الفقراء فقط الى القطاعات المتوسطة والغنية على حد سواء..وهو امر يمكن تفهمه اذا ادركنا انها "عدالة" اي مستمدة من العدل في توزيع الثروة والانتاج فائض القيمة حتى على الاغنياء وانها ايضا "اجتماعية" اي تتعلق بالمجتمع ككل اغنياءه وفقراءه...غير ان البحث في تصورات وطرائق العدالة الاجتماعية وخطواتها العملية ليس هذا مكانه...
ولكي نصيغ عدالة اجتماعية حقيقية لابد لنا من توافر الحقائق فيما يتعلق بالداخل المصري وحقائق الاقليم المحيط بنا وحقائق العالم وتوازناته الذي نعيش فيه...

من تلك الحقائق ان الرأسمالية العالمية متمثلة في الشركات الكبرى اصبحت تساوي دولا بحد ذاتها بل تتخطى الدول...وخطورة ذلك ان هذه الشركات تتغلل في كل مناحي الحياة من الاعلام الى الطاقة البديلة مرورا بكل الادوار التي كانت حكرا على الدول في مراحل تاريخية سابقة...وعلى سبيل المثال فأن عدد العاملين في شركة سامسونج يبلغ أكثر من 344,000 شخص وأن أرباحها في عام 2010 فقط فاقت 220 مليار دولار.. أي ضعف الدخل القومي لدول عربية كاملة كقطر والكويت والمغرب والعراق و إذا اعتبرنا سامسونج دولة سيكون ترتيبها رقم 35 في أكبر اقتصاديات العالم حسب إحصائيات عام 2006 وتملك شركة سامسونج ثماني مدن في كوريا الجنوبية باسم “مدن سامسونج الرقمية”، وهي مدن متكاملة يعمل فيها موظفو الشركة وتحوي بنوكاً ومستشفيات وعيادات وملاعب ومطاعم أما عن الدخول والخروج من هذه المدينة فيشبه المرور بنقطة حدودية بين دولتين السيارات يتم تفتيشها والحقائب تمر عبر أجهزة الكشف الأمنية، ولا يمكنك إخراج أي أجهزة إلكترونية خاصة من الشركة كجهاز موبايل أو كاميرا أو لابتوب أوبطاقة ...كذلك فان شركة سامسونج وحدها تضم 50,000 باحث .. أي ما يساوي مجموع عدد الباحثين في دولة كمصر في كل المجالات وضعف عدد الباحثين في الأردن و4 أضعاف عدد الباحثين في السعودية.....والشاهد ان العالم المعاصر في علاقته الجدلية مع الرأسمالية يحاول ايجاد نوع من العدالة الاجتماعية في وجود قوى كتلك القوى الرأسمالية (كيف تعالج كوريا الجنوبية اشكالية العدالة الاجتماعية لديها؟؟؟)

ان ما نحاوله في هذه السطور ليس تقديم حلول او تصورات....انما نحاول شحذ التفكير في اتجاه المعرفة التي هي الخطوة الاولى والاهم على طريق نختاره...او يختاره لنا غيرنا

ويظل السؤال قائما...ماذا نعرف حقيقة عن مصر؟؟؟
 
وللحديث بقية ان شاء الله...