Saturday, April 16, 2011

الثورة المصرية 4

الثورة المصرية (4)

في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة

مرحبا...

اليوم ساحاول ان ان اتحدث عن الثورة المضادة بشكل اكثر تفصيلا....

وهنا لابد من مقدمة قد تبدو فلسفية بعض الشيء

كنت قد اجملت الحديث عن الثورة المضادة في عبارة عامة هي " والثورية هي الضمان الموضوعي لما يسمى بالثورة المضادة وهو مصطلح يطلق اصطلاحا على محاولات نظام سياسي بائد اعادة ترتيب اوراقه وتجميع صفوفه ليغير بدوره الحالة الجديدة المترتبة على الثورة لكي يعيد الحالة الى ما كانت عليه او يعيد صياغتها على الاقل لكي تلائم مصالحة و تصوراته...لكن الاهم ان هذا المصطلح (الثورة المضادة) يتسع ليشمل ليس النظام البائد فقط ولكن ليشمل كل القوى الاقليمية والدولية داخل الوطن او خارجه من بني الامة او من اعدائها التي تسعى الى عودة الامور الى ما كانت عليه او اعادة تشكيل الواقع في صورة جديدة تتناسب و مصالحها او الى حصر المد الثوري المصاحب لعملية التغيير او تفريغ القوى والشعارات الثورية من مضمونها او استنزاف القوى الثورية في مجالات تحيد بها عن وجهتها الاصلية او ما الى ذلك"

وهذه العبارة هي توصيف للمفهوم السياسي للثورة المضادة

ان الله هو محور الوجود ومركزه...والانسان هو محور الارض ومركزها وكان ذلك بمشيئة الله يوم خلقة وجعله "في الارض خليفة"

وهنا علينا ان نتوقف طويلا امام لفظة "خليفة"

فلا يخلف (ب) (أ) الا اذا غاب (أ)

ومادام (أ) هو الذي استخلف (ب) على علم ودراية فمعنى ذلك ان (أ) يعلم ان (ب) لديه من الامكانيات ما يقوم مقام (أ)

وبما ان الله حاضر لا يغيب فان الغياب هنا ياتي بالمعنى المجازي

وعلى ذلك فان الانسان يتحرك في الوجود سعيا لاستكمال كماله الانساني فيما نعرفه بالتطور والتقدم في كافة المجالات (علمية..دينية..اخلاقية ...اقتصادية...فلسفية....الخ)

اي انه –مرة اخرى- ليس التقدم والتطور اهدافا في حد ذاتها انما هي اجراءات نحو الهدف النهائي وهو الكمال الانساني...اي سعادة الانسان

وفي قصة الخلق الاولى فان الانسان كان يباشر حياته وفق هذا المنظور وكان الله يباهي به ملائكته حين علمه "الاسماء كلها" اي انه كان يستكمل كماله بالعلم الذي علمه الله اياه الى ان وقع الخطأ الاول له بان اكل وزوجه من الشجرة الحرام..لكن المذهل في الامر انه لما اكل من الشجرة الحرام "بدت لهما سوءاتهما" اي انه وقع في النقص رغم انه حين اكل منها كان يطلب الكمال...

عندئذ "تلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه"...هنا تظهر حقيقة اخرى من حقائق الكمال الانساني وهي التوبة التي هي بالمعنى الاشمل هي عملية تصحيح للمسار..مسارالكمال الانساني

كان ذلك في في قصة الخلق الاولى...عندما كان انسانا واحدا وزوجه يخوضان اولى التجارب الانسانية..

اما الان..وقد اصبحنا شعوبا وقبائل وافراد واصهار وعقائد ومذاهب وتخصصات وبلادا ودولا واصحاء ومعاقين وعقلاء ومجانين....الخ فان كل فرد يعيد هذه التجرية في نفسه وفي غيره كل حسب ظروفه....لكن من دون ان يتفاعل معنا الشيطان في هذه التجربة الا من خلال حلفاءه من الانسان

والشاهد من قصة الخلق الاولى (والحديث هنا موجه الى المؤمنين عموما بما يسمى بالرسالات السماوية) ان الانسان اخطأ وتمثلت عناصر خطأه في عاملين : خارجي و داخلي

اما العامل الخارجي فكان هو الشيطان واما العامل الداخلي فهو فجور نفسه...

والان بعد هذه المقدمة

فان شخصية اي مجتمع من المجتمعات هي انعكاس طبيعي لشخصية غالبية افراده ....

واذن فانه على ضوء ما سبق فان الثورة باعتبارها عملية تصحيح للمسار فانها في ابسط صورها تاخذ شكل التوبة

وايضا فان الثورة المضادة في اي مجتمع لها بعدين رئيسيين : خارجي و داخلي

خارجي : هو اي مجتمع يحاول استكمال كماله الانساني على حساب المجتمع المصري

داخلي : هو ان يسمح المجتمع المصري بفجور نفسه ان يخرجه عن مساره الصحيح نحو كماله الانساني كما حدث في الخطأ الانساني الاول ...وهنا فاني لا اتحدث عن طاعة ومعصية لا عن حسنة وسيئة ولا عن دين بذاته ولا عن حجاب وسفور ولا...ولا....وانما اتحدث عن مجتمع يدير شؤونه وموارده و عقائده بمثل ما يدير الفرد شؤونه وموارده وعقائده

واذن فان الثورة المضادة هي مجموع تلك القوى التي تسعى واعية او غير واعية الى تعطيل مسيرة الكمال الانساني و شل قدرته على تصحيح مساره او مقاومة هذا التصحيح سواء من داخل الكيان الثائر لتصحيح مساره او من خارجه.

وعليه فان الكل ليسو سواء..فقد يكون هناك نظام حكم عربي او غربي يريد عرقلة الثورة المصرية...بينما يقف الشعب هناك على الجهة الاخرى داعما للثورة المصرية ودافعا لها...

وقد يكون هناك فقراء يريدون ان تفشل الثورة حتى يحتفظوا بالنسق الذي اعتادوه لحياتهم...بينما هناك اغنياء طالما حلموا بفرصة لخدة اوطنهم بالمال..والعكس ايضا قد يكون...

قد يكون هناك مثقفون وشيوخ ممن يعبدون الله على حرف...فاذا نجحت الثورة كانو روادها ورؤوسها واذا فشلت كانوا من الامنين...بينما هناك فجار طالما تمنوا لو تتحسن الاحوال فيجدون الى الخير والصلاح سبيلا...

وقد يكون...وقد يكون.....

والان...

فان المسؤولية الفردية تبقى ركيزة اساسية (وليست وحيدة) للثورة المصرية وضمانة ضد الثورة المضادة...

والمعنى انه من الخطير جدا الحكم على قضية ما بالانطباع...او ان تتصرف في حياتك الشخصية على خلاف ما تعتقد...او ان تجرك المصلحة مثلا الى تبرير فعل او حدث تستنكره على غيرك...او ان تتصرف وكانك امتلكت كل الحقيقة فتحك على ذلك وتحاكم ذاك..

واسوق هنا مثلا ذا دلالة...عن الامام (احمد بن حنبل)...هذا مع العلم بانني لست على مذهبه...

في خلافة المأمون (الدولة العباسية) وعندما ثار الخلاف حول طبيعة القران (مخلوق او ازلي) كان الجدال بالحجة الى ان قام خصومه بـتاليب الخليفة عليه فالقى به في السجن لكن ذلك ما زحزح معتقده...الى ان اخرجه الخليفة المعتصم من حبسه واكرمه لكنه عندها وزياده في مكرمته قرر تعميم مذهبه على الدوله كلها...فما كان من العالم الجليل الا ان اعترض وقال "لعل حديثا في اقصى الارض قد فاتني" اعترافا منه بقصوره وبان الحقيقة المطلقة بيد الله...

هذه هي الثورة...اما غير ذلك فهي ثورة مضاده...

وكل منهما لصيق ببنية الانسان...

وحين يختار الانسان..يختار معه مجتمعه...

ان يعلم الاسماء كلها...او ان يأكل من الشجرة المحرمة...