Monday, July 30, 2012

الثورة المصرية (حالة الثورة وحالة الدولة) ...... الاختيار

مرحبا...

هذه مقدمة السلسة الجديدة عن ثورة 25 يناير على خطى ثورة لم تكتمل الى حلم دولة ونظام لازال في الرحم ولم يخرج للنور بعد...

و تمر بنا هذه الايام ذكرى اثيرة الى قلبي –وقد لا تكون اثيرة الى قلب غيري- وهي ذكرى ثورة 23 يوليو 1952...
وثورة يوليو هي نهاية سيطرة الجيوش الغربية والعصر الملكي وبداية العصر الجمهوري في مصر...وقد دار بخاطري ان مصر بين ثورتين 1952 وهي بداية الجمهورية الاولى و2011 وهي بداية الجمهورية الثالثة (وليست الثانية كما اعتقد) اي ان مصر لم يمضي عليها منذ حكمها المصريون مرة ثانية بعد خروج الانجليز من مصر سوى 59 عاما فقط...
وقد كان انحياز ثورة يوليو الى "الديمقراطية الاجتماعية" على حساب "الديمقراطية السياسية" بالمعنى الحديث...وهو امر يعكس بعمق مدى الارتباط الوثيق بين استقلال القرار الوطني و الديمقراطية بالمعنى الاجتماعي....

وليست المعركة هذه الايام معركة الثورة....ولعل الذاكرة تعود بنا الى تلك الايام التي قامت فيها ثورة 1919 والتي –مع الاسف فشلت وانتجت دستورا وحياة نيابية قال عنها وعن اللجة المشكلة لصناعة الدوستور وقتها زعيمها سعد زغلول ب"لجنة الاشقياء" وكان الدستور الناشئ عنها لا يعكس الحالة المجتمعية بصورة حقيقية بالرغم من الانجاز الهائل الذي تحقق بصدور دستور للبلاد (ومن الجدير بالذكر ان دستور 1923 كان يستبعد العمال والفلاحين في مصر ولا يقيم لهم وزنا بمنطق انهم لا يمتلكون ومن ثم فهم ليسوا اصحاب مصلحة حقيقية في الوطنية المصرية...والغريب انه تم وضع دستور تحت حكم الاحتلال الانجليزي ولم يعترض احد بينما يتم الاعتراض هذه الايام على وضع دستور تحت حكم العسكر!!!)  كما ان الحياة الحزبية والنيابية عجزت عن استرداد القرار الوطني في مصر خلال هذه المرحلة من الكفاح الوطني مما مهد الى ثورة 1952...

ومما هو جدير بالملاحظة ان الانجليز في المرحلة الملكية في مصر كانوا يسمحون بانتخابات ديمقراطية نزيهة تأتي بحزب الوفد على مقاعد البرلمان والحكومة حينما يريدون طرفا يستطيعود التفاوض معه او لكي يضبط ايقاع الشارع المصري الذي كان يموج بالثورة انذاك وهو ما تم ايضا مع جماعة الاخوان المسلمين الناشئة في ذلك الوقت الموالية للقصر الملكي في عهد الملك فؤاد ومن بعده الملك فاروق  وهو بالضبط ما تمارسه الولايات النتهدة في دول الربيع العربي هذه الايام ولكن بتنويعات وتطوير مختلف...

ولان التاريخ لا يقف عند مرحلة بعينها....
ولان التاريخ هو ظل الانسان على الارض كما ان الجغرافيا ظل الله عليها ....
فان علينا ان ندقق ونراجع ونفهم قبل ان نتكلم او ان نتقدم....
اي ان مصر تقف الان على حافة اختيار...
والاختيار هو ان تتبنى موقفا ما من قضية ما في وقت ما بناء على رؤية ما...

 والاختيار له عناصر –او شروط-  لكي يكون اختيارا....
اولا: ان يكون على بينة من الحقائق (المعرفة)
ثانيا: ان يكون بغير قيود (الحرية)
ثالثا: ان يكون بين اكثر من بديل  (البدائل)
رابعا: ان يكون على بينة بتبعات الاختيار والقدرة على تحمل نتائجة (المسؤولية)

والرؤى (الاختيارات) في مصر متعدد و متشعبة ومتناثرة ومتعارضة ايضا في مصر في هذه الايام...
عندما ننتقل من حال الى حال او عندما نغير طريقنا الى طريق اخر فان اول ما ينبغي عمله هو ان نعرف اين نحن حتى نعرف من اين جئنا ثم نحدد الى اين نريد ان نذهب ومن ثم نخطط ماذا نفعل...بدون ذلك قد نضل الطريق....او نكون تحت رحمة مجموعة من الظروف قد لا تكون رحيمة بنا...

ويمكن فك الارتباط بين تلك الرؤى بتحليل الاجابة على سؤالين كليين في عمق الضمير الانساني يقود اولهما الى الثاني وهما في اعتقادي مفتاح الحركة البشرية على وجه العموم وما نواجه في مصر بعد ثورة يناير على وجه الخصوص

السؤال الكلي الاول هو:
ما هو موقع الانسان من الوجود ؟
والمقصود من السؤال هو كيف وجد الانسان؟ لماذا وجد؟ لماذا يموت؟ على ماذا يقدر وعلام لا يقدر؟ هل يوجد اله ام لا يوجد؟ وماهي حدود العلاقة معه؟ما هي طبيعة الدور الملقى عليه؟.......الخ
وقد اجابت كل جماعة انسانية على هذا السؤال وفقا لظروفها الحضارية على مدى التاريخ
والشاهد ان الجماعة الانسانية كلها انقسمت –حتى هذه اللحظة التاريخية التي نتحدث فيها- الى فريقين:
فريق يدعي بأن السماء هي من اجابته على هذا السؤال...وهو الفريق الذي  يتبع ما يسمى اصطلاحا ب"الاديان السماوية" وهو يشكل –حتى الان -ما يقرب من 49% من سكان العالم...وفي داخل هذا الفريق اديان وملل ومذاهب وفرق ونحل و اتجاهات شتى....
وفريق يدعي بانه هو بنفسه الذي اجاب على هذا السؤال...وهو الفريق الذي يتبع اصطلاحا ما يسمى ب"الاديان غير السماوية" وهو يشكل –حتى الان- ما يقرب من 51% من سكان العالم... وفي داخل هذا الفريق اديان وملل ومذاهب وفرق ونحل و اتجاهات شتى...
ومن اجابة هذا السؤال –كل حسب اجابته- تتشكل في ضمير كل الجماعة الانسانية منظومة القيم والاخلاق التي تحدد الرؤية الكلية للوجود الانساني ورؤيتها لنفسها و لغيرها من الجماعات الانسانية في هذه الحياة...لكن النتيجة الحتمية لاجابة هذا السؤال –ايا كانت الاجابة- ان منظومة القيم والاخلاق تلك تصنع منهجا لتلك الجماعة الانسانية تتحرك على اساسه في تلك الحياة...
وهو ما يقودنا عمليا الى السؤال الثاني....

السؤال الثاني هو:
هل وجد الانسان ليطبق المنهج ....ام وجد المنهج ليخدم الانسان؟
والمقصود من السؤال هو هل المنهج ملزم ام اختياري؟ وبأي درجة؟ وهل هو التزام شخصي ام مؤسسي؟ وامام من يكون الالتزام؟وما هي مساحة رؤى الانسان الاختيارية فيه؟.....الخ
وقد ايضا اجابت كل جماعة انسانية على هذا السؤال وفقا لظروفها الحضارية على مدى التاريخ
والشاهد ان الجماعة الانسانية كلها انقسمت ايضا –حتى هذه اللحظة التاريخية التي نتحدث فيها- الى فريقين:
فريق يعتقد ان الانسان وجد ليطبق المنهج...وهو فريق يتواجد في كل من الفريقين السابقين اصحاب الاجابتين على السؤال الاول وفي كل اديان وملل ومذاهب وفرق ونحل و اتجاهات هذين الفريقين على حد سواء....
وفريق يعتقد ان المنهج وجد ليخدم الانسان... وهو فريق يتواجد في كل من الفريقين السابقين اصحاب الاجابتين على السؤال الاول وفي كل اديان وملل ومذاهب وفرق ونحل و اتجاهات هذين الفريقين على حد سواء...
ومن اجابة هذا السؤال –كل حسب اجابته- تتشكل سلوكيات الجماعة الانسانية وطبيعة نشاطاتها الاجتماعية في الحياة... لكن النتيجة الحتمية لاجابة هذا السؤال –ايا كانت الاجابة- ان تلك السلوكيات وطبيعتها الاجتماعية تحدد طبيعة الاعراف والقوانين و التقاليد والمناسك و ...الخ  المنظمة لحياة الجماعة الانسانية في الحياة...

وكنتيجة موضوعية لما سبق...فان المراحل الحضارية المتفاوتة التي تختص بها الجماعات الانسانية المختلفة تجعل لخل منها اختيارا مجتمعيا مختلفا عن غيرها من المجتمعات... وعليه فان التفاوت في المرحلة الحضارية لكل فرد من افراد الجماعة الانسانية الواحدة (المجتمع الواحد) ينعكس بالضرورة على الجماعة الانسانية ككل وهو ما يجعل الحوار المجتمعي متشعبا و متعثرا في كثير من الاحيان...ولذلك فانه يمكن ان نتفهم في هذه الحالة كيف يفكر كل من العقائديين (من المتدينين او الايدولوجيين او غيرهم) او العلمانيين او الملحدين او اليساريين او الليبراليين او العسكريين..او ....الخ... دونما حاجة بنا الى رد كل خلاف الى الخيانة او الجهل او الادعاء...وفي هذا السياق يبرز (الزعيم او القائد او الامام او الشيخ او المؤسس او...او ...الخ) تعبيرا وتجسيدا لتلك الحالة السائدة في الجماعة الانسانية في مرحلة حضارية ما....

وباسقاط ذلك التحليل المجرد على الواقع المصري اليوم فان الجدل الدائر اليوم في مصر حول (مدنية الدولة...العلمانية..الدولة الحديثة..الاسلام السياسي..عسكرة الدولة...الدولة العميقة...الدولة الوطنية..اليسار..القومية العربية.. الدولة الاسلامية.. تطبيق الشريعة...الليبرالية...هوية الدولة...الخ ) يمكن فهمه في ضوء ما سبق...

وفي نهاية هذا اللقاء-المقدمة- وقبل ان نناقش معا (عناصر-شروط) الاختيار في اللقاءات التالية فانه اذا كنت من هواة برامج الTalk show فلا اعتتقد انك سوف تستفيد من هذه السطور...ذلك ان المناقشات المجتمعية (فيما اعتقد) تقبل الانحيازات المسبقة وهذا طبيعي لكنها لا تقبل الافكار المعلبة والجاهزة سلفا كما انها لا تقبل الافكار السطحية فهي ضد طبيعتها من الاساس.... 

 واخيرا ...فانه وقبل توالي اللقاءات التالية ان شاء الله.....اعد قراءة السطور من اولها...وحاول ان تناقشها اولا ثم ان تجيب عليها ثانيا....

Thursday, February 23, 2012

عطشان يا صبايا ولو اني في بلد النيل
وبلدنا رجال و حروف ...في القران والانجيل
وعنينا عليها وهيا...تايهة في عتم الليل
وكل ما نعرف سكة...ييجو يطفو القناديل
والثورة ماشية تعكز...وسابوها للمهابيل
يوم ثورة ويوم فوضى...كده حسب التساهيل
والناس ايه تاني تملك...غير حب في مصر اصيل
يدورفي قلب العتمة...ويفتش عن الدليل
يزيح بيه المدروش...والجهلا والمخابيل
ويزيح بيه الرغاي...وابو اللسان الطويل
ويصالح بيه الزمان...لالف الف جيل
عطشان يا صبايا ولو اني في بلد النيل

Saturday, January 21, 2012

الثورة المصرية 12

الثورة المصرية (12)

في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة

مرحبا...

نمر هذه الايام بالذكرى السنوية الاولى لثورة ال25 من يناير...وهي ذكرى اصبحت اثيرة الى نفسي على وجه الخصوص تماما ككل المحطات المضيئة التي سبقتها في تاريخ مصر الحديث....

ويدور حديثي اليوم حول ما اسميه "محاورات الثورة" على نمط مستلهم من "محاورات افلاطون"....وانبه هنا الى ان الحوار سوف يأخذ منحى فلسفيا بعض الشيئ...

وبداية فان هذه المحاورات تأخذ اربع صور....

محاورات عن الثورة...و محاورات حول الثورة ...و محاورات في الثورة...و محاورات مع الثورة....

وبالنسبة الى المحاورات عن الثورة...فانه يمكن اعتبار هذه السلسلة في مجملها ( الثورة المصرية في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة) محاوارات عن الثورة المصرية... والمعنى العميق لهذا النوع من الحوار هو الرصد وهو عملية متابعة وتسجيل وقائع الثورة في حينها وتثبيتها في الوعي الجمعي المصري بشكل غير محدد الابعاد او الاتجاهات...والهدف من هذا النوع من المحاورات هو تنبيه الذاكرة الدافعة الى المستقبل...

بينما المحاورات في الثورة...فانه يمكن اعتبار –في تقديري الشخصي- ان البرامج التحليلية والاخبارية في مجملها هي محاورات في الثورة المصرية.... والمعنى العميق لهذا النوع من الحوار هو التحليل وهو عملية تفسير الظواهر والممارسات الانسانية لاحداث الثورة وتحديد دوافعها واتجاهاتها ومحاولة استشراف المستقبل في ظل معطيات الحاضر وتجنب العقبات المحتملة قدر الامكان... والهدف من هذا النوع من المحاورات هو تحديد العناصر المكونة للمستقبل...

اما المحاورات حول الثورة... فانه يمكن اعتبار –في تقديري الشخصي- اغلب برامج ال(Talk Show) في مجملها هي محاورات حول الثورة المصرية... والمعنى العميق لهذا النوع من الحوار هو التقييم وهو عملية مراجعة لاتجاهات و توجهات الثورة في اطار منظومة القيم الانسانية العامية على وجه العموم و في اطار منظومة القيم الثورية الطارئة عند لحظة الثورة على وجه الخصوص... والهدف من هذا النوع من المحاورات هو تعديل المسار الى المستقبل...

واخيرا المحاورات مع الثورة...واعتقادي ان كل ما سبق هو ما يكون المحاورات مع الثورة...والمعنى العميق لهذا النوع من الحوار هو التفاعل وهو عملية اضافة وحذف...وبناء وهدم...وشد وجذب في اتجاه تطور الواقع المصري الى حال افضل يرتضيه الشعب المصري... والهدف من هذا النوع من المحاورات هو تحقيق الستقبل...

وهذه الصور الاربعة من المحاورات ليست متتالية زمنيا...بمعنى انها جميعا تتمازج في البيئات المختلفة بنسب متفاوته...فان كل فرد منا يمارس تلك الصور الاربعة من المحاورات مع الثورة في نفس الوقت بتأثير من حوله فيه كما انه هو ذاته يكون مؤثرا فيمن حوله وهم يمارسون تلك الصور الاربعة من المحاورات مع الثورة...

واعتقد ان اهمية الفصل بين هذه الممارسات المختلفة تعود الى عدة امور:

اولا: ان ضعف و تشوه الذاكرة الانسانية يغري بالاندفاع نحو المستقبل اما بحمولات تاريخية مرهقة واما بفراغ تاريخي هش لا يصمد معه المستقبل عند اول هزيمة او عند اول اغراء...

ثانيا: ان البعض يتصور ان عملية التقييم (ونحن الان نجتاز اول عام على اندلاع الثورة) تعني الحكم على الثورة في ضوء احكام القيمة وليس احكام التقييم...والمعنى ان احكام القيمة نهائية و مرتبطة بالتصور (فضيلة و رذيلة....حق و باطل)... بينما احكام التقييم قابلة للنقاش والمراجعة وتعديل المسار وهي مرتبطة بالممارسة (صواب وخطا...ينفع و يضر)

ثالثا: ان مفهوم التفاعل مرتبط بمفهوم الايجابية كاحد محركات الشخصية الانسانية...وبالتالي فالتفاعل المقصود لا ترصده عدسات التليفزيون ولا صحف الجرائد و لا يقرأ على مدونة الكترونية وهو ليس عدد افراد في مظاهرات حاشدة او حملات على المواقع الالكترونية بل عملية تغير يومية لذاتك الانسانية في ضوء قناعاتك الشخصية (سواء اكانت صوابا او خطأ) وتلك القناعات تتغير طبقا لتطور الواقع في ضوء احكام التقييم وليس احكام القيمة وينتج عن تلك القناعات سلوكيات هي تعبير عن تلك القناعات.....ولتوضيح ذلك المفهوم فان ذلك التفاعل المقصود مبني على تغير (تطور) القناعات على طول الحركة والصراع بين الثورة ومعوقاتها فاذا كانت تلك القناعات لا تتغير (لا تتطور) فان مفهوم التفاعل المقصود يتحول الى مفهوم الفعل اذ انه في كل مرة يعبر عن نفس القناعة وان باشكال مختلفة...

رابعا: ان الثورة الحقيقية هي التي تنهي نفسها بنفسها..بمعني انها تنهي بنفسها مجموعة التناقضات التي تسببت في اندلاعها من الاساس وعند تلك النقطة فانها تلغي مبرر وجودها ذاته وهذا هو المعنى العميق لنجاح الثورة وبناء على ذلك فان مراقبة الثورة بحساب عدد السنين فقط ليس منطقيا انما يكون ذلك له معنى عند نجاحها (كان نقول مثلا ان مصر نجحت في تاميم قناة السويس بمجرد الاستيلاء عليها بينما الصواب ان مصر نجحت في ذلك عندما استطاعت الاستيلاء عليها و ادارتها و الاستفادة من كل عائداتها في التنمية وفي المساهمة في تمويل السد العالى)..وعلى ذلك فان المستقبل وهو الهدف لم تتكامل عناصرة بعد الى الحد الذي يمكن فيه الحكم ما اذا كانت قد نجحت الثورة او فشلت...

وفي تقدير انه ينبغي ان تتداخل و تتمازج تلك الصور الاربعة للمحاورات عند مستوى الممارسة لكنه من الخطر التمتزج وتختلط عند مستوى المفاهيم...اي ان يتم التعامل مع الصخب الحواري في ال(Talk Showes) مثلا على انه تفاعل مع الاحداث...او ان تصبح المدونات او التعليقات على المواقع الالكترونية نوعا من التحليلات...

وتلخيصا لما سبق...فاننا و نحن نجتاز العام الاول للثورة ينبغي علينا ان نزيد من عمق تحاورنا مع الثورة عن طريق التفاعل الايجابي في سبيل تحقيق المستقبل كهدف نهائي ...والا نخلط بين حواراتنا (عن و في و حول) الثورة بين (الرصد و التحليل و التقييم) وركائز ذلك الحوار تنبيه الذاكرة الدافعة الى المستقبل و تحديد العناصر المكونة للمستقبل و تعديل المسار الى المستقبل كلما دعت الضرورة الى ذلك...

وكعادتي -وان كنت لم اطل كثيرا هذه المرة- اعود الى التاريخ...واقرأ...

كتب تلك السطور ليون تروتسكي (احد اهم قادة ثورتي 1905 و 1917 في روسيا واهم مؤرخ للثورة الروسية) عام 1929 ...اي منذ مايزيد عن 80 عاما...

"إن العلامة المميزة للثورة، هي مدى المشاركة المباشرة في الأحداث التاريخية . وسواء كانت الدولة ملكية أم ديمقراطية فإنها تسيطر عادة على الأمة، ويصنع التاريخ أولئك الذين امتهنوا هذه المهنة : كالملوك، والوزراء، والبيروقراطيين، والنواب، والصحفيين. وفي المنعطفات الحاسمة، وعندما يصبح النظام القديم غير محتمل من قبل الجماهير، تحطم هذه الجماهير الحواجز التي تفصلها عن المسرح السياسي، وتقلب ممثليها التقليديين، وتخلق بذلك وضع انطلاق لنظام جديد . وعلى الأخلاقيين أن يحكموا فيما إذا كان ذلك حسًنا أو سيئًا . أما نحن فإننا نتناول الأحداث كما هي، ووفق تطورها الموضوعي . وتاريخ الثورة بالنسبة لنا هو قبل كل شيء تدخُّل عنيف تقوم به الجماهير في المجال الذي تتقرر فيه مصائرها.

وعندما يعيش المجتمع جو الثورة تكون الطبقات في حالة صراع . ومع ذلك فإن من المؤكد أن التحولات التي تنتج بين بداية الثورة ونهايتها، وتصيب القواعد الاقتصادية للمجتمع والأساس الاجتماعي للطبقات لا تكفي أبدًا لشرح مسيرة الثورة نفسها. تلك الثورة التي تقوم خلال فترة زمنية قصيرة بتحطيم مؤسسات عريقة وخلق مؤسسات جديدة لا تلبث أن تقلبها ثانية .وتتحدد ميكانيكية الأحداث الثورية بصورة مباشرة بالتحولات النفسية السريعة العنيفة الحادة التي تقع داخل الطبقات القائمة قبل الثورة.

والحقيقة أن المجتمع لا يبدل مؤسساته بالتدريج وفق حاجاته كما يبدل الصانع أدواته . ويعتبر المجتمع على العكس -أن المؤسسات المسيطرة عليه عبارة عن شيء قائم إلى الأبد . ولا يمثل نقد المعارضة خلال عشرات السنين سوى صمام نقمة الجماهير، ويكون هذا النقد شرطا من شروط استقرار النظام الاجتماعي ولا يحرر النقمة من قيود العقلية المحافظة، ويدفع الجماهير إلى الانتفاضة، سوى وجود ظروف استثنائية جدًا، مستقلة عن إرادة الأفراد أو الأحزاب. وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن التبدلات السريعة التي تصيب رأي الجماهير وحالتها النفسية خلال الثورة لا تأتي من مرونة النفسية البشرية وقدرتها على الحركة، بل من طبيعتها المحافظة العميقة . وتبقى الأفكار والعلاقات الاجتماعية متأخرة من الناحية الزمنية عن الظروف الموضوعية الجديدة، حتى تجيء هذه الظروف بصورة مفاجئة وكأنها كارثة من كوارث الطبيعة، وينجم عن ذلك خلال الثورة هزات واضطرابات تصيب الأفكار والأهواء، التي لا تستطيع العقول البوليسية فهمها، فتعتبرها مجرد عمل من أعمال "الغوغائيين".

ولا تندفع الجماهير إلى الثورة وفق مخطط جاهز للتحويل الاجتماعي، ولكنها تندفع بسبب إحسا سها المرير بعدم قدرتها على تحمل النظام القديم فترة أطول . وتملك الأوساط القيادية في الأحزاب الجماهيرية وحدها برنامجًا سياسيا. ويحتاج هذا البرنامج مع ذلك إلى تدقيقه خلال الأحداث، وموافقة الجماهير عليه . ويتمثل السير السياسي الأساسي لثورة ما في وعي الطبقة بالمعضلات التي تطرحها الأزمة الاجتماعية، وتوجه الجماهير بصورة فعَّالة وفق أسلوب التقريبات المتتالية . وتتدعم المراحل المختلفة لمسيرة الثورة عن طريق استبدال الأحزاب بأحزاب أخرى أكثر تطرًفا، وأشد قدرة على ترجمة اندفاع الجماهير المتزايد باستمرار نحو اليسار، حتى يتم توقف هذا المد عند الحواجز الموضوعية . عندها يبدأ رد الفعل ؛ فيأخذ شكل تذمر في بعض أوساط الطبقة الثورية، وتزايد عدد اللا مبالين، وتدعيم القوى المضادة للثورة . وهذا هو على الأقل مخطط الثورات الماضية.

إننا لا نتجاهل دور الأحزاب والقادة، ولكننا لا نستطيع فهم هذا الدور إلا بدراسة التطورات السياسية وسط صفوف الجماهير. ولا تشكل الأحزاب والقادة عنصرًا مستقلا، ولكنها تشكل مع ذلك عنصرًا هامًا من عناصر التطور . فإذا انعدم التنظيم القيادي تبددت قدرة الجماهير كبخار حر خارج أسطوانة المكبس . علمًا بأن الحركة لا تأتي من الأ سطوانة أو المكبس، ولكنها تنجم عن البخار.

وتصادفنا خلال دراسة تحولات وعي الجماهير خلال فترة الثورة صعوبات مؤكدة لا تنكر . وتصنع الطبقات المسحوقة التاريخ في المصانع، والثكنات، والأرياف، والمدينة، والشارع ، ولكنها لم تعتد على تسجيل كل ما تصنع. ومن المعروف أن الفترات التي تتصاعد فيها الأهواء الاجتماعية حتى تبلغ توترها الأعلى لا تترك للتأمل والوصف عادة سوى وقت جد قصير

وتجد كافة أشكال الإلهام بما في ذلك الإلهام الشعبي الذي تعتمد عليه الصحافة صعوبة كبيرة في العيش خلال الثورة . ومع هذا فإن على المؤرخ أن لا يفقد كل أم له. وتكون الملاحظات المأخوذة ناقصة، مبعثرة، صدفية . ولكن النظر إلى هذه الأجزاء تحت ضوء الأحداث، يسمح لنا غالبًا بتوقع اتجاه التطورات الخفية الكامنة وسرعة إيقاعها . فإذا ما قام حزب ثوري بتقييم تطورات وعي الجماهير توصل إلى وضع تكتيكه سواء كان هذا التكتيك صحيحا أم خاطئًا "....انتهى

هذا نموذج لمحاورات عن و في و حول الثورة في روسيا عام 1917..وقد كان تروتسكي نفسه في حوار مع ثورة روسيا بصفته و شخصه....وكانه يصف احداثا وقعت وتقع في عالمنا العربي ما بين عامي 2011 و 2012 !!!!!!

فاما ان نتحاورمع الثورة ...او يتحاور معها غيرنا.....

لكن ذلك.....له حديث اخر...