Monday, July 30, 2012

الثورة المصرية (حالة الثورة وحالة الدولة) ...... الاختيار

مرحبا...

هذه مقدمة السلسة الجديدة عن ثورة 25 يناير على خطى ثورة لم تكتمل الى حلم دولة ونظام لازال في الرحم ولم يخرج للنور بعد...

و تمر بنا هذه الايام ذكرى اثيرة الى قلبي –وقد لا تكون اثيرة الى قلب غيري- وهي ذكرى ثورة 23 يوليو 1952...
وثورة يوليو هي نهاية سيطرة الجيوش الغربية والعصر الملكي وبداية العصر الجمهوري في مصر...وقد دار بخاطري ان مصر بين ثورتين 1952 وهي بداية الجمهورية الاولى و2011 وهي بداية الجمهورية الثالثة (وليست الثانية كما اعتقد) اي ان مصر لم يمضي عليها منذ حكمها المصريون مرة ثانية بعد خروج الانجليز من مصر سوى 59 عاما فقط...
وقد كان انحياز ثورة يوليو الى "الديمقراطية الاجتماعية" على حساب "الديمقراطية السياسية" بالمعنى الحديث...وهو امر يعكس بعمق مدى الارتباط الوثيق بين استقلال القرار الوطني و الديمقراطية بالمعنى الاجتماعي....

وليست المعركة هذه الايام معركة الثورة....ولعل الذاكرة تعود بنا الى تلك الايام التي قامت فيها ثورة 1919 والتي –مع الاسف فشلت وانتجت دستورا وحياة نيابية قال عنها وعن اللجة المشكلة لصناعة الدوستور وقتها زعيمها سعد زغلول ب"لجنة الاشقياء" وكان الدستور الناشئ عنها لا يعكس الحالة المجتمعية بصورة حقيقية بالرغم من الانجاز الهائل الذي تحقق بصدور دستور للبلاد (ومن الجدير بالذكر ان دستور 1923 كان يستبعد العمال والفلاحين في مصر ولا يقيم لهم وزنا بمنطق انهم لا يمتلكون ومن ثم فهم ليسوا اصحاب مصلحة حقيقية في الوطنية المصرية...والغريب انه تم وضع دستور تحت حكم الاحتلال الانجليزي ولم يعترض احد بينما يتم الاعتراض هذه الايام على وضع دستور تحت حكم العسكر!!!)  كما ان الحياة الحزبية والنيابية عجزت عن استرداد القرار الوطني في مصر خلال هذه المرحلة من الكفاح الوطني مما مهد الى ثورة 1952...

ومما هو جدير بالملاحظة ان الانجليز في المرحلة الملكية في مصر كانوا يسمحون بانتخابات ديمقراطية نزيهة تأتي بحزب الوفد على مقاعد البرلمان والحكومة حينما يريدون طرفا يستطيعود التفاوض معه او لكي يضبط ايقاع الشارع المصري الذي كان يموج بالثورة انذاك وهو ما تم ايضا مع جماعة الاخوان المسلمين الناشئة في ذلك الوقت الموالية للقصر الملكي في عهد الملك فؤاد ومن بعده الملك فاروق  وهو بالضبط ما تمارسه الولايات النتهدة في دول الربيع العربي هذه الايام ولكن بتنويعات وتطوير مختلف...

ولان التاريخ لا يقف عند مرحلة بعينها....
ولان التاريخ هو ظل الانسان على الارض كما ان الجغرافيا ظل الله عليها ....
فان علينا ان ندقق ونراجع ونفهم قبل ان نتكلم او ان نتقدم....
اي ان مصر تقف الان على حافة اختيار...
والاختيار هو ان تتبنى موقفا ما من قضية ما في وقت ما بناء على رؤية ما...

 والاختيار له عناصر –او شروط-  لكي يكون اختيارا....
اولا: ان يكون على بينة من الحقائق (المعرفة)
ثانيا: ان يكون بغير قيود (الحرية)
ثالثا: ان يكون بين اكثر من بديل  (البدائل)
رابعا: ان يكون على بينة بتبعات الاختيار والقدرة على تحمل نتائجة (المسؤولية)

والرؤى (الاختيارات) في مصر متعدد و متشعبة ومتناثرة ومتعارضة ايضا في مصر في هذه الايام...
عندما ننتقل من حال الى حال او عندما نغير طريقنا الى طريق اخر فان اول ما ينبغي عمله هو ان نعرف اين نحن حتى نعرف من اين جئنا ثم نحدد الى اين نريد ان نذهب ومن ثم نخطط ماذا نفعل...بدون ذلك قد نضل الطريق....او نكون تحت رحمة مجموعة من الظروف قد لا تكون رحيمة بنا...

ويمكن فك الارتباط بين تلك الرؤى بتحليل الاجابة على سؤالين كليين في عمق الضمير الانساني يقود اولهما الى الثاني وهما في اعتقادي مفتاح الحركة البشرية على وجه العموم وما نواجه في مصر بعد ثورة يناير على وجه الخصوص

السؤال الكلي الاول هو:
ما هو موقع الانسان من الوجود ؟
والمقصود من السؤال هو كيف وجد الانسان؟ لماذا وجد؟ لماذا يموت؟ على ماذا يقدر وعلام لا يقدر؟ هل يوجد اله ام لا يوجد؟ وماهي حدود العلاقة معه؟ما هي طبيعة الدور الملقى عليه؟.......الخ
وقد اجابت كل جماعة انسانية على هذا السؤال وفقا لظروفها الحضارية على مدى التاريخ
والشاهد ان الجماعة الانسانية كلها انقسمت –حتى هذه اللحظة التاريخية التي نتحدث فيها- الى فريقين:
فريق يدعي بأن السماء هي من اجابته على هذا السؤال...وهو الفريق الذي  يتبع ما يسمى اصطلاحا ب"الاديان السماوية" وهو يشكل –حتى الان -ما يقرب من 49% من سكان العالم...وفي داخل هذا الفريق اديان وملل ومذاهب وفرق ونحل و اتجاهات شتى....
وفريق يدعي بانه هو بنفسه الذي اجاب على هذا السؤال...وهو الفريق الذي يتبع اصطلاحا ما يسمى ب"الاديان غير السماوية" وهو يشكل –حتى الان- ما يقرب من 51% من سكان العالم... وفي داخل هذا الفريق اديان وملل ومذاهب وفرق ونحل و اتجاهات شتى...
ومن اجابة هذا السؤال –كل حسب اجابته- تتشكل في ضمير كل الجماعة الانسانية منظومة القيم والاخلاق التي تحدد الرؤية الكلية للوجود الانساني ورؤيتها لنفسها و لغيرها من الجماعات الانسانية في هذه الحياة...لكن النتيجة الحتمية لاجابة هذا السؤال –ايا كانت الاجابة- ان منظومة القيم والاخلاق تلك تصنع منهجا لتلك الجماعة الانسانية تتحرك على اساسه في تلك الحياة...
وهو ما يقودنا عمليا الى السؤال الثاني....

السؤال الثاني هو:
هل وجد الانسان ليطبق المنهج ....ام وجد المنهج ليخدم الانسان؟
والمقصود من السؤال هو هل المنهج ملزم ام اختياري؟ وبأي درجة؟ وهل هو التزام شخصي ام مؤسسي؟ وامام من يكون الالتزام؟وما هي مساحة رؤى الانسان الاختيارية فيه؟.....الخ
وقد ايضا اجابت كل جماعة انسانية على هذا السؤال وفقا لظروفها الحضارية على مدى التاريخ
والشاهد ان الجماعة الانسانية كلها انقسمت ايضا –حتى هذه اللحظة التاريخية التي نتحدث فيها- الى فريقين:
فريق يعتقد ان الانسان وجد ليطبق المنهج...وهو فريق يتواجد في كل من الفريقين السابقين اصحاب الاجابتين على السؤال الاول وفي كل اديان وملل ومذاهب وفرق ونحل و اتجاهات هذين الفريقين على حد سواء....
وفريق يعتقد ان المنهج وجد ليخدم الانسان... وهو فريق يتواجد في كل من الفريقين السابقين اصحاب الاجابتين على السؤال الاول وفي كل اديان وملل ومذاهب وفرق ونحل و اتجاهات هذين الفريقين على حد سواء...
ومن اجابة هذا السؤال –كل حسب اجابته- تتشكل سلوكيات الجماعة الانسانية وطبيعة نشاطاتها الاجتماعية في الحياة... لكن النتيجة الحتمية لاجابة هذا السؤال –ايا كانت الاجابة- ان تلك السلوكيات وطبيعتها الاجتماعية تحدد طبيعة الاعراف والقوانين و التقاليد والمناسك و ...الخ  المنظمة لحياة الجماعة الانسانية في الحياة...

وكنتيجة موضوعية لما سبق...فان المراحل الحضارية المتفاوتة التي تختص بها الجماعات الانسانية المختلفة تجعل لخل منها اختيارا مجتمعيا مختلفا عن غيرها من المجتمعات... وعليه فان التفاوت في المرحلة الحضارية لكل فرد من افراد الجماعة الانسانية الواحدة (المجتمع الواحد) ينعكس بالضرورة على الجماعة الانسانية ككل وهو ما يجعل الحوار المجتمعي متشعبا و متعثرا في كثير من الاحيان...ولذلك فانه يمكن ان نتفهم في هذه الحالة كيف يفكر كل من العقائديين (من المتدينين او الايدولوجيين او غيرهم) او العلمانيين او الملحدين او اليساريين او الليبراليين او العسكريين..او ....الخ... دونما حاجة بنا الى رد كل خلاف الى الخيانة او الجهل او الادعاء...وفي هذا السياق يبرز (الزعيم او القائد او الامام او الشيخ او المؤسس او...او ...الخ) تعبيرا وتجسيدا لتلك الحالة السائدة في الجماعة الانسانية في مرحلة حضارية ما....

وباسقاط ذلك التحليل المجرد على الواقع المصري اليوم فان الجدل الدائر اليوم في مصر حول (مدنية الدولة...العلمانية..الدولة الحديثة..الاسلام السياسي..عسكرة الدولة...الدولة العميقة...الدولة الوطنية..اليسار..القومية العربية.. الدولة الاسلامية.. تطبيق الشريعة...الليبرالية...هوية الدولة...الخ ) يمكن فهمه في ضوء ما سبق...

وفي نهاية هذا اللقاء-المقدمة- وقبل ان نناقش معا (عناصر-شروط) الاختيار في اللقاءات التالية فانه اذا كنت من هواة برامج الTalk show فلا اعتتقد انك سوف تستفيد من هذه السطور...ذلك ان المناقشات المجتمعية (فيما اعتقد) تقبل الانحيازات المسبقة وهذا طبيعي لكنها لا تقبل الافكار المعلبة والجاهزة سلفا كما انها لا تقبل الافكار السطحية فهي ضد طبيعتها من الاساس.... 

 واخيرا ...فانه وقبل توالي اللقاءات التالية ان شاء الله.....اعد قراءة السطور من اولها...وحاول ان تناقشها اولا ثم ان تجيب عليها ثانيا....

2 comments:

missasser said...

تم وضع دستور تحت حكم الاحتلال الانجليزي ولم يعترض احد بينما يتم الاعتراض هذه الايام على وضع دستور تحت حكم العسكر
من وجهة نظرى ان كل واحد يبحث عن مصلحتة الشخصية بعيدا عن مصلحا البلد وليس بالضرورى ان يكون هذا سوء نية ولكنها السياسة كما تعلمت منك


فى النهاية مشكور على المدونة وما بها من معلومات فى انتظار المزيد

3ossa said...

كلام كبير من شخص عظيم تستمتع فى قراءة سطوره ولكن مفيش وسط بين الtalk show والكلام الكبير بتاعك.....
عموما فى انتظار المزيد