الثورة المصرية (3)
في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة
مرحبا
مرة اخرى اعود للحديث...
وهذه المرة اتحدث عن الديمقراطية وهو حديث يبدو للوهلة الاولى انه حديث للمثقفين ولا يمس الحياة اليومية المباشرة للمصريين...
وهذا خطأ شائع...
وقبل ان ابدا فانه لزاما علينا ان نعرف مفهوم السياسة وهو المجال الذي تتواجد فيه الديمقراطية والمفاهيم المرتيطة بها...
والسياسة هي فن ادارة التناقضات او هي فن الممكن..وعليه فانه لا سياسة بهذا المعنى الا اذا كان هناك نتاقض ما في مجتمع ما ممكن التعامل معه في سبيل تحقيق هدف ما..
فاذا كان هذا التناقض مما يمكن ادارته بشكل سلمي...كان ذلك هو الديبلوماسية...
واذا كان هذا التناقض مما لا يمكن ادارته بشكل سلمي...كان ذلك هو الحرب...
كذلك...
اذا كان ذلك التناقض تكامليا ولا يستبعد احدا من الطراف التناقض...كان ذلك هو التنافس...
واذا كان ذلك النتاقض تباعديا ويستبعد اطراف التناقض...كان ذلك هو الصراع...
وعلى سبيل المثال...فان السياسة العامة بين العالم العربي (وبشكل عام) تعتمد على تناقض متكامل لا يستبعد احدا من الاطراف في اطار من التنافس..و يدار هذا التناقض بشكل سلمي ممكن ياخذ شكل الديبلوماسية...
وايضا...فان السياسة العامة بين العالم العربي وبين اسرائيل (وبشكل عام) تعتمد على تناقض تباعدي يستبعد احد الاطراف بالضرورة في اطار من الصراع..و لا يمكن ادارة هذا التناقض بشكل سلمي في احيان كثيرة ولذلك ياخذ شكل الحرب...
اي ان السياسة في حد ما ليست هدفا ولكنها وسيلة...وفي هذا الاطار فان الديمقراطية التي هي جزء من العملية السياسية تصبح ايضا وسيلة وليسة غاية في حد ذاتها...
وسابدا من الاثر
"اذا صلح الراعي صلحت الرعية"
وكما رصدنا قبل ذلك في تطور المجتمعات وكنتيجة طبيعية للتطور البشري فان المجتمع البشري يعيد ترتيب نفسه في عدة صور (قبيلة, عائلة,نظام,...الخ) حتى يتمكن من ادارة شؤونه...وهنا فان "الراعى" تتغير صوره طبقا للحالة الحضارية المميزة لمجتمع ما في مكان ما في لحظة ما..
فهو تارة الاب...وهو تارة شيخ القبيلة...وهو تارة رجل الدين...وهو تارة الملك...وهو تارة الرئيس
والديمقراطية تلعب في العصر الحديث دور ذلك "الراعي" في كثير من دول العالم...اي انه من الضروري جدا ان يختفي مفهوم "الفرد الواحد الراعي" وان يظهر بديلا عنه مفهوم "النظام الديمقراطي الراعي" الذي اذا صلح صلحت معه الرعية
وهناعدة نقاط ضرورية للتوضيح...
اولا: انه من الجائز ان يكون هناك نظام ديمقراطي غير صالح وبالتالي لا تصلح معه الرعية.
ثانيا:انه ينبغي علينا ان ندرك العلاقة بين مفهوم الديمقراطية و بين مفهومين متشابكين (وليسا متعارضين) وهما الشورى و المشاركة.
ونبدا من النقطة الاولى
وبدون الاستطراد (الذي قد يكون مملا) في التطور التاريخي للنظام الديمقراطي فانه مما ترسخ من التجربة الانسانية عبر تاريخها انه لا يمكن ان يكون النظام الديمقراطي صالحا الا اذا كان يعكس صورة القوى الاجتماعية المؤثرة في مجتمع ما خلال لحظة تاريخية ما..وخلال هذه اللحظة التاريخية تدرك تلك القوى الاجتماعية المؤثرة جميعها (بالتراضي السلمي او بالامرالواقع) انها اضعف من ان تنفرد وحدها بالشأن الداخلي للبلاد واقوى من ان تزيحها قوة اخرى منافسة...
وعند هذه المرحلة تقوم تلك القوى بصياغة مجموعة من المبادئ العامة والملزمة في وثيقة اصطلح على ان تسمى الدستور لكي تنقل هذه القوى الاجتماعية المؤثرة صراعها من الشكل الخشن باهظ التكاليف الاجتماعية الى شكل سلمي منخفض التكاليف الاجتماعية...
وجدير بالذكر ان وثيقة الدستور ليس حكرا على النظام الديمقراطي ويمكن ان يوجد دستور ملزم في النظام الملكي مثلا...(وتاريخ مصر الحديث مثال على ذلك حيث كان دستور 1923 موجودا في ظل الارادة الشعبية وسلطة القصر الملكي و ووجود الاحتلال الانجليزي كثلاث قوى مؤثرة في ذلك الوقت)
وبناء على ما تقدم فان اي نظام ديمقراطي لا يمثل حقيقة القوى الاجتماعية المؤثرة ولا يمثل ذلك في صورة دستور يعكس وزن هذه القوى فانه في هذه الحالة نظام ديمقراطي غير صالح...
ويترتب على ذلك –وتلك طبيعة الاشياء- ان تحاول هذه القوى المؤثرة ان تجد متنفسها ومجال تاثيرها بعيدا عن الطرق الرسمية و المشروعة مما يؤدي الى تشوه الوضع السياسي عامة.
ثم النقطة الثانية
وهي العلاقة بين الديمقراطية والمشاركة والشورى بمعناهم السياسي....
وبداية فان الشورى هي اللبنة الاولى...تليها المشاركة...تليها الديمقراطية...
والشورى (بالمعنى السياسي) هي عملية استطلاع غير ملزم للاراء حول موضوع معين..حيث تؤثر هذه المشاورات –ولا تحدد- على القرار النهائي بشكل من الاشكال...وهي عملية فردية تعتمد على اراء اكثر مما تعتمد على متخصصين...ولا تعكس الشورى مجموعة القوى المؤثرة في المجتمع كما لا تعكس مجموعة الاقليات على اختلافهم في القرار النهائي...
بينما المشاركة (بالمعنى السياسي ايضا) هي عملية تشاور بفعل او قول حول موضوع معين..حيث تساهم هذه المشاركة في تشاور عام يحدد التوجه العام للقرارالنهائي...وهي عملية جماعية تعتمد على الاراء و المتخصصين على السواء...ولذا فهي اكثر الزاما من الشورى...وتعكس المشاركة مجموعة القوى المؤثرة في المجتمع الا انها لا تعكس مجموعة الاقليات على اختلافهم في القرار النهائي...
اما الديمقراطية فهي عملية مشاركة بالقول والفعل حول موضوع معين..حيث تحدد هذه المشاركة وبشكل قطعي ملزم وبعد تشاور عام القرار النهائي..وهي عملية جماعية...تعتمد على الاراء والمتخصصين على السواء...و تعكس الديمقراطية مجموعة القوى المؤثرة في المجتمع كما تعكس مجموعة الاقليات على اختلافهم في القرار النهائي...
وهنا فان هذا البناء الديمقراطي عليه ان يمر بمجموعة من المراحل الضرورية حتى يصبح نظاما ديمقراطيا صحيحا...
ثقافة الحوار – ثقافة الاختلاف- الايجابية – تبلور مفهوم الحق والواجب-الاهتمام بالشان العام – تبلور القوى الاجتماعية المؤثرة- الجدل الاجتماعي- تبلور مفهوم الامن القومي- تبلور مفهوم المواطنة-تبلور مفهوم العمل الجماعي- تبلور مفهوم المرجعية الخاصة والعامة-تبلور مفهوم العدالة...
ثم واخيرا تجيئ طبيعة النظام الديمقراطي (رئاسي ام برلماني).....
وعند هذه اللحظة فقط يصبح المجتمع قادرا على الدفاع عن منجزاته بصورة اكبر لانها في هذه الحالة تكون منجزاته هو وليست منجزات نظامه...عندها يصبح النظام الديقراطي "راع صالح" تصلح معه الرعية...
والان..
ومصر تشق طريقها في هذا العالم نحو حال افضل في ظل ثورتها...فانه ينبغي عليها ان تدرك ان الديمقراطية بعناها العميق وليس بمعناها الاجرائي ليست ملكا لفرد وحده فهي ليست شورى وليست ملكا لمتخصص فهي ليست مشاركة ولكنها ملك وحق لكل من يسكن هذه الارض...
هذا هو التفصيل...
اما عن قيمة الديمقراطية..فاني اعود الى التاريخ مرة اخرى...واقرا.....
"الهزيمة العربية كاملة لكنى اتخوف طوال الوقت من نداءات فى العالم العربى تدعو الى انشاء حركة شعبية وتدريبها وتوحد قيادة الجيوش العربية وتقيم مصانع للسلاح وتطبق عقوبات اقتصادية علينا وتلغى الامتيازات التى تمكن الرأسمالية من السيطرة على العرب وانشاء تنظيمات عمالية وتعزيز الصناعة والقيم العصرية وفتح مؤسسات للتعليم العالى وازالة الحدود الجمروكية بين البلاد العربية وتنظيم دعاية فعالة هذا هو الطريق الذى يحلم بيه العرب وانا اتخوف طوال الوقت من ان يقوم زعيم عربي بقيادتهم عليه انهم يتجاهلون العقبات الداخلية والخارجية والوقت اللازم للوحدة والويل لنا اذا كنا لا نعرف كيف نستغل هذا الوقت كى ننمو ونتحصن ونمتلك مكانة فى العالم ونثبت لهم ان طريق الوحدة والحرية والتقدم ليس طريق شن الحرب علينا"...مذكرات ديفيد بن جوريون 29 يناير 1949 في اعقاب حرب فلسطين عام1948
كان اول ما يخشاه ديفيد بن جوريون ...حركة شعبية...
وبالديمقراطية حصنوا انفسهم...
فماذا ينبغي لحركتنا الشعبية (ثورتنا) ان تفعل...؟؟؟؟
هذا...له حديث اخر...