Saturday, September 10, 2011

الثورة المصرية 9

الثورة المصرية (9)

في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة

مرحبا....

اتحدث اليوم في موضوع خلافي بعض الشيء...وهو الانقسام المجتمعي حول شخص الرئيس في العالم العربي....

وانا لا اتحدث هنا عن الرئيس المصري المخلوع..وانما اتحدث عن كل رئيس في كل بلد عربي...

وبداية فان حديثي يدور حول شخصية الرئيس وليس شخص الرئيس...

فشخصية الرئيس مسألة فردية خاصة به تكونها مجموعة الطبائع التي لديه اضافة الى التجارب التي مر بها قبل وبعد ان يكون رئيسا...

اما شخص الرئيس فهي مسألة عامة ولا دخل لها بماضيه او حاضره وهي لا تتحقق الااذا اصبح رئيسا وبمجرد وجوده على قمة السلطة لا قبلها ولا بعدها....

وحتى لا يحدث خلط بين هذين المفهومين فان هناك عدة نقاط هي –من وجهة نظري- محددات ذلك الموضوع:

· مفاهيم : الشهيد و البطل و القائد و الزعيم و الرئيس

· تعثر مشروع الدولة العربية الحديثة

· فكرة (الاب) في المجتمعات العربية الحديثة

وعلى مدى التاريخ واثناء تطور المجتمعات الانسانية و في سبيل تحقيق تقدمها فان توزيعا للادوار (وليس المهام) يفرض نفسه في مراحل مختلفة من التاريخ و كتكلفة منطقية وضريبة طبيعية لذلك الهدف الاسمى سواء اكان الهدف ماديا (التقدم المجتمعي من وجهة نظر المجتمعات غير الدينية) او لاماديا (اقامة شرع الله في المجتمعات الدينية)...

فالشهيد بالمعنى السياسي هو ذلك الوقود البشري الذي يدفعة المجتمع في رحلة كفاحه بتكلفة تساوي الحياة نفسها..وهو ذلك التاريخ الحي الاقوى والابقى اثرا في نفوس الجماهير شاهدا و محرضا على مواصلة الكفاح في سبيل الهدف والقصاص والثأر...

والبطل بالمعنى السياسي ايضا هو ذلك الفرد الذي قدم تضحيات مادية ومنوية في سبيل الهدف الاسمى الا انه احتفظ في النهاية بحياته..وفي مقابل ذلك فان بقاءه في حد ذاته اصبح اضافة الى ذلك الهدف الاسمى بوجوده متصلا بالعالم المادي ومجتهدا ففي سبيل تحقيق ذلك الهدف الاسمى...

اما الزعيم فهو ذلك الفرد القادر على صياغة و التعبيرعن امال واحلام مجتمعه في لحظة تارخية ما على ما في مجتمعه من متباين واختلاف كما انه في تلك اللحظة التاريخية يكون ملهما (بكسر الميم الثانية) لمجتمعه بحيث يفجر طاقات المجتمع المكبوته والمختزنه في اتجاه هدف المجتمع الاسمى...

والقائد هو ذلك الفرد الذي يدير ما تحته من مسؤولية بموجب ما يجيده من مهنية في ذلك القطاع او ذاك... وهو يعبر بالضرورة عن متطلبات المهنه لكنه لا يعبر بالضرورة عن امال واحلام الناس...كما انه لا يكون ملهما بالضرورة للجماهير الا انه لا يستطيع ان يحيد عن متطلباتهم المباشرة...

واخيرا الرئيس...وهو ذلك الفرد الذي ياتي على قمة الهرم الاداري في المنظومة المجتمعية في مرحلة متقدمة من تطورها...وهو يمارس مهامه من خلال تفويض مكتوب قابل للالغاء...وهو يمارس مهامه في اطار سياسي وليس مهنيا الا انه له السلطة النهائية على الاداء المهني..وهو ليس ملهما ولا يعبر عن الجماهير بالضرورة لا انه رمز الدولة (وليس الجماهير)...

ومن البديهي ان تلك المفاهيم تتداخل كثيرا في واقع الحياة...

مثلا...فان عمر المختار (الشيخ الثائر الليبي) تنطبق عليه الادوار الاربعة الاولى...فقد تزعم حركة التمرد ضد الاحتلال الايطالي...ثم اصبح قائدا لعملياتها العسكرية...ثم اصبح بطلا اسطوريا خلال عشرين عاما هي مدة كفاحه ضد الاحتلال...ثم انتهى به المطاف شهيدا على يد الاحتلال الايطالي...

ومثلا..فان كل قتلى المقاومة الفلسطينية في ميادين العمليات الاستشهادية شهداء وابطال فقط...

ومثلا..فان الامام محمد عبده و في خلال الثورة العرابية فانه ينطبق عليه مفهوم البطل وفقط...

لكن تداخل تلك المفاهيم وهو طبيعي يحدث احيانا خلطا بينها خصوصا في غيبة الثقافة النقدية لدى الجماهير مما قد يؤدي الى نتائج بالغة السوء...وهو ما سيأتي بيانه بعد قليل...

هذا فيما يتعلق بالنقطة الاولى...

وفيما يتعلق بالنقطة الثانية...فان تعثر مشروع الدولة العربية الحديثة (راجع مدونتي السابقة (الثورة المصرية (2) في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة) عن مفهوم الدولة) وتقلص -واحيانا غياب- دور المؤسسات في اداره حركة الحياه لدى الجماهير افسح مجالا واسعا للادوار الفردية في ادارة حركة الحياه اليومية لدى الجماهير...وكنتيجة طبيعية فان الرؤى الذاتيه للاشخاص القائمين على قمة الهرم التنفيذي في الدولة لعبت دورا هاما في طبيعة وحجم المستفيدين من الجماهير العربية من توجهات وسياسات الدولة في العصر الحديث...

وعلى سبيل المثال...فان مصر بقيادة محمد على كانت خديوية اقطاعية...وبعد فترة من الزمن و بتطور في بنية الدولة تحولت الى ملكية دستورية...

اما فيما يتعلق بالنقطة الثالثة...فان تغلغل فكرة الاب ( وانا لا اتحدث هنا عن النسب او عن الاخلاق) لها ثلاث روافد رئيسية اسست لها في ثقافة العالم العربي:

اولا: نتيجة التجربة السياسية الاولى في العالم العربي والتي افرزت فكرة فكرة الوصية من الاب الى الابن كضرورة سياسية في سياق ذلك الزمن (راجع مدونتي السابقة (الثورة المصرية (5) في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة)...

ثانيا: تعثر مشروع الدولة العربية الحديثة وامتداد دور شيخ القبيلة او رب العائلة في ادارة الشؤون العامة...

ثالثا: تغذية العامل الديني لقيمة احترام الكبير (وهي قيمة ايجابية) ولكن وفي ظل تعثر مشروع الدولة العربية الحديثة ومؤسساستها فان هذا العامل تخطى حاجز الاحترام الى مرحلة التقديس في سبيل تعويض ذلك النقص في ادوات الدولة الحديثة...

والان فان هناك ملاحظة تستحق الالتفات...

ان كل شخوص هؤلاء الاشخاص اللذين حدث الانقسام حولهم هم الذين وصلو الى الحكم او الرئاسة....

اما من توقف عطائهم الانساني عند ماقبل هذه المرحلة فقد ظلوا محتفظين بمكانتهم لدى كل الاطراف...

بمعنى اخر...ان كل هؤلاء الذين سمحت لهم ظروفهم ان يتواجدوا على قمة الحكم والرئاسة وان يمارسوا سياسة ساهمت رؤاهم الذاتية في صياغتها هم الذين حدث الانقسام حولهم...اما الذين توقفوا قبل ذلك فقد احتفظوا بمكانتهم الجيدة لدى كل الاطراف...

وكنموذج للحالة الاولى (الملك فاروق – حسن البنا – جمال عبد الناصر – محمد انور السادات – محمد حسني مبارك)...

وكل هؤلاء انقسم حولهم كل من القوميين والاسلاميين والليبراليين...وكل من (المعارضين) اعتبروا واحدا منهم او اكثرسبب وحيدا كل المشاكل التي حاقت بمصر وسبب تعثروغياب الديمقراطية وسبب الانهيار الاقتصادي وسبب.....وسبب....الخ ..وكل من (المؤيدين) اعتبر واحدا منهم شهيدا او بطلا او زعيما او قائدا او كل ذلك معا وكذلك (ابا) لمصر كلها (هذا مع انهم جميعا مسلمون...جميعا عرب (باستثناء فاروق وان كان من القلائل من اسرة محمد على الذين يتكلمون العربية ويتوجهون بمصر الى العالم العربي)...جميعا مصريون (باستثناء فاروق الا ان امه مصرية و تزوج مصرية)...جميعا قدموا تضحيات للوطن قبل الصعود للرئاسة وصلت الى حد التضحية بالارواح (باستثناء فاروق الا انه تحالف مع الالمان في الحرب العالمية الثانية وما في ذلك من الخطورة عليه وعلى عرشه من الانجليز)...الا انهم جميعا وبلا استثناء كانت لهم فرصة ممارسة اجتهادات سياسية نابعة في كثير منها من رؤى ذاتية كان لكل رؤية منها شريحة مجتمعية معينة مستفيدة في كل حالة على حدة)...

وكنموذج للحالة الثانية (غاندي – جيفارا – احمد عرابي – هوجو شافيز – باتريس لومومبا)...

وكل هؤلاء احتفظوا بالاحترام وبتقدير دورهم من كل من القوميين والاسلاميين والليبراليين...وكل منهم اعتبروا كل واحد من هؤلاء رمز من رموز الثورة الخالصة...(هذا مع انهم ليسوا جميعا مسلمين (باستثناء عرابي)...وليسوا جميعا عربا (باستثناء عرابي)...وليسوا جميعا مصريين (باستثناء عرابي)...وجميعهم قدموا تضحيات للوطن الى حد الشهادة (باستثناء عرابي و هوجو شافيز)... الا انهم جميعا وبلا استثناء لم تكن لهم فرصة ممارسة اجتهادات سياسية وبالتالي فقد توقف اسهامهم الانساني عند ذلك الحد)...

واجمالا لما سبق...فان السبب الموضوعي في الانقسام حول شخص الرئيس يعود الى ان تعثر مشروع الدولة العربية الحديثة اتاح مجالا واسعا للرؤى الذاتية لشخوص الرؤساء الذين كانوا على قمة الهرم التنفيذي في مصر في التاثير على سياسات وتوجهات الدولة ..مما اختلف معه (و كنتيجة طبيعية) طبيعة الشرائح المجتمعية التي استفادت في كل مرة على حدة من تلك التوجهات والسياسات..ومما عمق ذلك الانقسام (وكرسه احيانا في صورة عقيدية) انه اختلطت مفاهيم (البطولة والزعامة والقيادة والرئاسة والشهادة) وساعد اتحاد كل منها على حدة او مجتمعة مع فكرة (الاب) المتغلغلة في الثقافة العربية الى الصعود بشخوص هؤلاء الافراد المنقسم حولهم الى مستوى التقديس لدى اتباعهم...وهذا الانقسام يحدث وفقط حول هؤلاء الذين اتاحت لهم ظروفهم ان يمارسوا سياسة ساهمت رؤاهم الذاتية في صياغتها مما اتاح في كل مرة لشريحة مجتمعية جديدة معينة لتكون هي المستفيد الاول..

وعليه فان الختلاف حول شخص الرئيس مسألة واردة وطبيعية ( لانها مسألة سياسات ورؤى خلافية) بل وفي كثير من الاحيان ضرورية...الا ان تعميق الانقسام حول شخص الرئيس هو محض افتعال...

واتصالا بسياق الحديث عن الثورة المصرية فان الغرض من مناقشة ذلك الموضوع هو التنبيه الى ان تعميق الانقسام حول شخص الرئيس هو من اعمال الثورة المضادة (ببعديها الداخلي والخارجي) اولا لصرف النظر عن ان المشكلة التي هي اكبر من شخص الرئيس في التأثير على السياسات المستفبلية لمصر هي الترتيبات الازمة مستقبلا التي تضمن استمرار واتصال السياسة المصرية بصرف النظر عن شخص الرئيس (اي تقليص مساحة رؤاه الذاتية التي يمارس من خلالها صياغة سياسة الدولة وطبعها بشخصيته)...وثانيا للوصول بالمجتمع من حالة (نقد التاريخ المصري الحديث) وهي عملية ايجابية وضرورية لتصحيح مسيرة الشعب المصري الى حالة (نقض التاريخ المصري الحديث) وهي عملية خطرة ومدمرة اذ انها تستبعد من الذاكرة المصرية كل انجازاتها الحديثة ورفض التاريخ المصري على الجملة باسم الثورة...وهي مسالة اشبه بقطع جذور الشجرة باسم اصلاح التربة التي تنبت فيها...

اما اسباب تعثر مشروع الدولة العربية الحديثة..

فان ذلك..له حديث اخر...



2 comments:

3ossa said...

رائع يا كبير وتحليل اكثر من ممتاز

Ahmd Asser said...

ارجو ان يكون فيها افادة