Tuesday, August 9, 2011

الثورة المصرية 5

الثورة المصرية (5)

في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة

مرحبا...

عودة جديدة بعد وقفة طويلة كان فيها ما كان ولنا فيها حديث ان اذن الله ...

تجول بخاطري عدة امور هذة الايام اثر ذلك حول اذاعة مسلسل (الحسن و الحسين و معاوية) اجدها على صلة وثيقة بثورتنا المصرية...

وبداية – وبعيدا عن الجدل الدائر حول جواز تمثيل شخوص الصحابة- فانني اعتقد ان قلائلا فقط هم من يعرفون تلك الاحداث المأساوية التي وقعت بين المسلمين وبعضهم بدءا بقتل سيدنا عثمان ابن عفان رضي الله عنه فيما عرف تاريخيا ب"الفتنة الكبرى"...

ولسنا هنا في معرض رواية القصة او الحكم على اطراف النزاع فيها فذلك شأنك انت شريطة ان تعرف الوقائع المجردة لتلك الاحداث ثم يكون لك ما تحكم...

لكننا هنا بصدد رؤية تلك الاحداث البعيدة في الماضي بعيون اليوم..عيون ثورة ال25 من يناير

واتصالا بذلك فان عدم اضطلاع غالبية المسلمين من المصريين على تفاصيل احداث تلك الفتنة يعود الى عدة امور اهمها –في تقديري- سببان.. السبب الاول ان رجال الدين من المذهب السني على اختلاف درجاتهم من سلطة الدولة قد اثروا –في تقديري- بحسن نية ان تطوى هذه الصفحة من تاريخنا الاسلامي حماية لبنية الاعتقاد في شخوص الصحابة الاجلاء اطراف النزاع في نفوس المسلمين عامة...والسبب الثاني هو اجراء دفاعى ضد المد الشيعي الذي يعتمد دعائيا على ملابسات و تفاصيل تلك الاحداث في تاكيد مذهبه...

واستعير هنا عبارة قرأتها:

"لا يعرف التاريخ فجوات او فراغات و ذلك لا يعني ان التاريخ حتميات تؤدي احداها الى الاخرى بحكم قانون تنفذ اوامره فمثل ذلك ليس انسانيا وبالتالي ليس تاريخيا...

على ان حياة البشر وتوجهاتهم لها منطق و لهذا المنطق اسبابه وهي اسباب تحتفظ دائما بثوابتها ولكنها تتشكل في كل عصر بما يلائمه وتعبر عنه بلغته وتضيف الى دواعيه بالدرس الواعي والخلق المبدع وربما ان ذلك هو ما يحدث الخلط بين فعل الثوابت و تصور الحتميات التاريخية"...

والانسان موقف...

والموقف بطبيعته انحياز تجاه طرف على طرف...

و الحياد موقف هو الاخر..لكنه قد ينبع اما عن جهل بطبيعة الموضوع او عن انتفاء المصلحة

وبدون الدخول في تفاصيل احداث الفتنة الكبرى فان كل اطراف النزاع من الصحابة الاجلاء و من امهات المؤمنين و من غيرهم كانوا اصحاب مواقف وعلى قناعة تامة بها...

لكن الذي حدث في تقديري ان غياب – او بالادق تغييب- هذه الاحداث عن عامة الناس اوجد اثرا –حسن النية- مفاده ان الصحابة وامهات المؤمنين على راي واحد في الدين –وليس العقيدة- وان المسلمين لم يكفروا بعضهم يوما وان الامر كان دوما على قلب رجل واحد وذلك اوجد حالة من التقديس للصحابة الاجلاء وامهات المؤمنين تتجاوز الاحترام والاقتداء...

اما الاثر الاخر الاكثر اهمية – وهو مايعنيني في هذا المقام- ان تلك الممارسة السياسية الاولى للمسلمين ونتائجها الموضوعية لم تطرح للعلن لتستقر في نفوس العامة كما استقرت الممارسات الشعائرية التي هي لنفس اطرف النزاع -عليهم جميعا رضوان الله- واهم ما فيها انها التجربة الاولى بين اطراف ليسوا سواء (الصحابة بما يمثلونه من قيم الدين وبين باقي المسلمين حديثي العهد من العامة)...وبعد انقطاع الوحي...وبعد ان اتسعت رقعت الدولة (لتضم اقواما وثقافات و حضارات متباينة) وصدامها مع العصبيات والقبليات..وبعد ان تطورت ادوات البشر واحتياجاتهم (كانشاء الدواوين والصكوك)...وهو ما ادى بطبيعة الحال الى غياب الدروس المستفادة من تلك التجربة الاولى...

وبديهي ان الممارسة السياسية التي كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي مرحلة تبليغ الرسالة و تاسيس الدولة في مكة والمدينة ...تختلف عن تلك التي تلتها ايام خلافة ابا بكر الصديق في مجتمع متجانس ثقافيا في جزيرة العرب واثناء حروب الردة (وهي صورة ابسط للحروب الاهلية التي تحدث عادة بعد وفاة القائد مؤسس الدولة وانتهاء نفوذه)... تختلف عن تلك التي تلتها في مرحلة تثبيت دعائم الدولة وحماية امنها الاقليمي وتامين جوارها ونشر دينها (ثقافتها) وتوسعها بوسائل عصرها على عهد الفاروق عمر...تختلف عن تلك التي تلتها في بداية حكم عثمان ذو النورين من تغيير في سياسات خلفه استوجبه -او برره- استقرار الدولة الجديدةواجراءات رأها ضرورية وحيوية للمستقبل واستيعابها لعصرها وما ترتب عليه من تضافر مجموعة من القوى الرجعية التي هزمت وتضررت مصالحها مع صعود الدولة الجديدة...

ونحن لا نتحدث هنا عن العدل او الزهد او الورع...انما نتحدث عن سياسة الدولة وادارتها لمتناقضاتها وازماتها و تطورها في ذلك العصر ...

ولعل احد الاسباب التي اعاقت ظهور و تطور نموذج للديمقراطية عربي اسلامي قابل للتطبيق في العالم العربي ويلائم ظروفه الحضارية والثقافية يعود الى ان النتائج الموضوعية لاحداث الفتنة الكبرى (والتي انتهت عمليا الى سيطرت البيت الاموي وانشاء نظام الموالى وتثبيت نموذج الاستخلاف لولاة العهد من دون مشورة ملزمة من الجماعة المسلمة وفي حدود البيت الاموي قرابة المائة عام...ثم ثبات ذلك النموذج في كل الخلافات الاسلامية العربية حتى ثورة 23 يوليو عام 1952)...الى ان هذه النتائج الموضوعية لم لم يتناولها رجال الدين ضمن اولوياتهم في معالجة قضايا المسلمين بطرحها على العامة ككل امور الفقه (بالرغم من زعمهم بان الاسلام دين ودولة) واكتفوا اما بتقديس الماضي او السكوت عنه ...كما لم يتناولها المتخصصون والسياسيون في قضايا الديمقراطية بحثا او ممارسة في دوائرهم (بالرغم من توسعهم في دراسة واستيراد نماذج ديمقراطية اخرى من العالم) واكتفوا اما بادانة الماضي او تحميله كل اسباب التعثر الديمقراطي...

وقديما قال الفيلسوف الاسباني جورج سانتيانا: ان اللذين لا يقرأون التاريخ محكوم عليهم ان يعيدوه...

على ان هناك ملاحظة لابد من الالتفات اليها...

ان هذه الاحداث التي دارت فيما بين مسلمين وبعضهم وعلى ارض اسلامية و بثقافة اسلامية...انما دارت ايضا بين عرب وبعضهم وعلى ارض عربية و بثقافة عربية...

وذلك له مغزى...

اذ انه –في رأيي- مدخل الى ما نحن فيه الان من ثورتنا المجيدة الى تفصيل ذلك التعارض بين ما يسمى بالتيارات الاسلامية من جهة وبين ما يسمى بالتيارات القومية او الليبرالية او العلمانية من جهة اخرى...

ان طريقة الممارسة السياسية بين الاطراف في تلك المرحلة من عمر الثورة لا تبتعد كثيرا عن تلك التي كانت منذ اكثر من الف عام...وان اختلفت في بعض اشكالها بحكم تطور الزمن...

فعلى سبيل المثال...لايزال يدور الاشكال اليوم حول تحكيم كتاب الله و شرعه...وقد دار نفس الاشكال بين علي و معاوية والخوارج منذ اكثر من الف عام...

وايضا...لايزال الاسلاميون يتهمون العلمانيين في دينهم ويرفضون ان يحكموا مصر...وقد اتهم الخوارج عليا و معوية في دينهم و رفضو ان يحكموا البلاد منذ اكثر من الف عام...

والشاهد مما سبق..ان بنية الممارسة السياسية في ادارة تناقضات الصراع السياسي في مصر (في اطارها العام) بنية واحدة في كل من الممارسة السياسية للاسلاميين والقوميين والعلمانيين والليبراليين..وذلك يعود في احد اسبابه الى اتحاد ظروف التجربة السياسية العربية والتجربية السياسية الاسلامية (في البيئة العربية) محكومة –تقريبا – بنفس وسائل الصراع ومواجهة تقريبا نفس طبيعة الخصوم في ذلك الاطار الجغرافي الذي يمتلئ تنوعا مذهبيا و فكريا و عقائديا والممتد من الحيط الاطلسي الى الخليج العربي...

واجمالا... فان التراكم المعرفي لتلك التجربة الاولى (التي افرزت نظام استخلاف ولاية العهد كنتيجة موضوعية لحقائق ذلك العصر والذي بقي وتكرس في مفاهيمنا الثقافية والذي افرز بدوره مفهوم الجماعة بمعناه المحافظ غير القابل للتغيير او الانفتاح على الاخر من الناحية السياسية) لم يؤد دوره المرجو في سبيل تطوير وسائل ممارستنا السياسية او في سبيل تطوير نموذج ديمقراطي عربي اسلامي وذلك بسبب تغييب تلك الاحداث عن ذهن العامة بحسن نية في الاغلب مما قاد الى تأسيس رؤية تقديسية للتاريخ العربي (على اختلاف اديانه) والاسلامي (على اختلاف قومياته) قللت من قدرته في تصحيح مسار الحاضر مما افرز بنية واحدة للممارسة السياسية (عربية واسلامية) ساهم في تشكيلها اتحاد ظروف الممارسة السياسية في كل من التجربتين...وانعكس ذلك على التيارات السياسية في تلك اللحظة الراهنة...

لذاك..ادعوكم اخيرا (لا الى مشاهدة المسلسل فتلك مسألة خلافية) ... ولكن الى الى الاضطلاع على تلك التجربة فذلك ضروري في تلك المرحلة...

وتاريخنا ملئ بالتجارب ...

........

قديما قال كارل ماركس: ان التاريخ لا يعيد نفسه...واذا حدث ذلك فهو في المرة الاولى دراما عظيمة (اذ تتكرر نفس المقدمات بنفس الاحداث لتقود الى نفس النتائج في غفلة الناس) وفي المرة الثانية كوميديا مأساوية (اذ ان احدا لم يستفد من تكرار الحدث مرتين و ذلك معناه تلاشي الفعل الانساني في التاريخ)...

واحسب انه اعاد نفسه عندنا كثيرا...

وامل ان ياتي هذه المرة بجديد..

وهذا..له حديث اخر...

No comments: