Wednesday, August 17, 2011

الثورة المصرية 7

الثورة المصرية (7)

في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة

مرحبا...

اتحدث اليوم...عن اسرائيل...

وبالنسبة الي فان كلمة السر في كل ما يدور في مصر والوطن العربي منذ نهايات الحكم العثماني هو اسرائيل...

لكن ذلك له حديث طويل ان شاء الله...

لكن مهلا...

فهو ليس حديثا على شاكلة "اللهم عليك باليهود ومن والاهم" او "اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم احدا"...وان كان كل ذلك حقا...

لكنه حديث احسبه موصول الصلة بما يدور في مصر الان...و بثورتها العظيمة...

وهو حديث الدستور وعلاقته بالدولة و الديمقراطية...

وابدأ (اسمحوا لي ان انقل مقتطفات عن مجموعة من المراجع وعن الويكيبيديا) بداية تاريخية ...

ماهو الدستور؟

كلمة الدستور ليست عربية الأصل ولم تذكر القواميس العربية القديمة هذه الكلمة ولهذا فإن البعض يرجح أنها كلمة فارسية الأصل دخلت اللغة العربية عن طريق اللغة التركية، ويقصد بها التأسيس أو التكوين أو النظام.

الدُستورمن دَستور الفارسية المركبة: (دست بمعنى القاعدة) و (وَر أي صاحب) المادة التي من تستوحى الأنظمة والقوانين التي تسير عليها الدولة لحل القضايا بأنواعها...

وهو الصورة المتطورة لل(عقد الاجتماعي) الذي اسس له جان جاك روسو في نهايات القرن الثامن عشر...

واروي في ذلك السياق قصة ذات مغزى...

جاء في قصة الحضارة للكاتب (ول ديورانت) أنه في إحدى المرات كان فلاسفة التنوير مجتمعين في صالون «البارون دولباك» فراح بعضهم يستهزئ بالمعتقدات العليا، وعندئذ هددهم روسو بالخروج من الجلسة إذا ما قالوا كلمة إضافية واحدة ضد الذات الإلهية...ومعلوم عن روسو انه نهض في عزّ عصر التنوير لكي يطلق صرخته المدوية : لا لعلم بدون أخلاق، لا لحضارة بدون ضمير..

وفي ذلك دلالة هامة...

ذلك ان فكرة الدستور (العقد الاجتماعي) عنوان الدولة العلمانية الحديثة ولد على يد مفكر غير علماني...

اعود الى تاريخ نشأة الدستور...

يتردد مصطلح العقد الاجتماعي على امتداد تاريخ أدبيات الفكر الإنساني منذ القدم وفي عدّة مجالات مختلفة منه، ابتداءً من ظهوره في فلسفات (سقراط وأفلاطون 400 ق.م), ومن ثمّ دراسته وبلورته بشكل "نظرية علمية" علي يد بعض علماء الاجتماع أمثال (توماس هوبز 1588-1679م) و (جون لوك 1632-1704م) و (جان جاك روسو 1712-1778م) لتظهر في ما بعد ذلك انعكاساته كرمز محرّك لأحداث سياسية غيرت مجرى التاريخ مثل (الثورة الفرنسية 1789م)..

أولا:توماس هوبز

في محاولة لدراسة نشوء المجتمعات الإنسانية، انطلق هوبز من السؤال التالي:

لماذا يجب علينا أن نخضع للسلطة؟

وللإجابة على هذا السؤال، قام هوبز بوضع نفسه في مرحلة (ما قبل المجتمع) الافتراضية ومن ثمّ قارن بينها وبين الحالة (المجتمعية)، ليستنتج بعدها الأسباب التي دعت لنشوء تلك المجتمعات والمكاسب التي تحققت منها.

وجد هوبز أنّ الإنسان في مرحلة ما قبل المجتمع (الحالة الأصلية State of Nature) يتركز اهتمامه في "المصلحة الذاتية"، ومع وجود مصادر محدودة وغياب سلطة تجبر الأفراد على التعاون، استنتج أن الحياة في مثل هذه البيئة ستكون صعبة التحمل وقاسية جدا، بحيث يخشى كلّ فرد على حياته من الآخر، ولا يستطيع أحدهم ضمان تلبية حاجاته ورغباته لمدّة زمنية طويلة، وعليه استنتج أن مرحلة (ماقبل المجتمع) الهمجية، تحوي أسوأ ظروف يمكن أن يعيشها الإنسان، مما يطرح وبقوة ضرورة تكون التجمعات البشرية والقوانين التي تحكمها. و رأى هوبز أن الطريق للخروج من الحالة السابقة يتم عبر الاتفاق على العيش تحت (قوانين مشتركة) والاتفاق على إيجاد (آلية لفرض القوانين) عن طريق سلطة حاكمة، ويرى هوبز بضرورة وجود "سلطة مطلقة" وإن ظهرت لديها انحرافات بسبب (غلبة العاطفة على المنطق) ولكنه تقبل ذلك، معللاً رأيه بأن (السّلطة هي الشيء الوحيد الذي يقف بيننا وبين العودة للهمجية

ثانيا: جون لوك

استخدم لوك نفس المنهجية السابقة لهوبز، إلاّ أنه اختلف معه في كون (الحالة الأصلية State of Nature ) مع انعدام القوانين فيها فأنها تحتوى على أسس أخلاقية، وبالتالي فهي (ممكنة التحمّل) ولها أمثلة واقعية، وليست "افتراضية" كما هو الحال عند هوبز...كما أختلف لوك مع هوبز في معارضته لمبدأ "السلطة المطلقة"، ورأى أنّ الفرد له حقّ مقاومة السّلطة "الغاشمة"، انطلاقا من مبدأ الدفاع عن النفس.

ثالثا: جان جاك روسو

خالف جان جاك روسو سابقيه(هوبز ولوك) في افتراضهما كون (الحالة الأصلية State of Nature)هي حالة مليئة بالمشاكل والظروف السيئة, بل على العكس توقع روسو أن الناس كانوا في تلك الحالة يعيشون حالة اكتفاء ذاتي وسلام في ظلّ مبادئ أخلاقية...و يرى روسو أنّ التجمّع أتى نتيجة لعوامل اقتصادية مثل الاختراعات وتطور عوامل الإنتاج وتقسيم العمل، ممّا أنشأ قيماً "جماهيرية" جديدة ناتجة عن المقارنة مثل (الخجل والحسد والفخر..) وأهمّ هذه القيم في رأي روسو هي (الملكية الخاصة)، حيث يعتبر إيجاد هذه الفكرة منحنى تاريخياً مهماً في مسيرة البشرية....ويعود سبّب ظهور (الملكية الخاصة)، حسب روسو، إلى ظهور قيم أخرى مثل (الجشع, المنافسة, عدم المساواة...) الشيء الذي أخرج البشرية من حالتها الأصلية "الطاهرة"...وكنتيجة للملكية الخاصة انقسم الناس إلى أصحاب أملاك وإلى عمّال لديهم، مما أوجد نظام (الطبقات الاجتماعية)، أدرك أصحاب الأملاك أنّ من مصلحتهم إنشاء "حكومة" لتحمي ملكياتهم من الذين لا يمتلكونها ولكنهم يعتقدون أنهم قادرون على الاستيلاء عليها بالقوّة، ومن ثمّ تمّ تأسيس الحكومة من خلال "عقد" ينصّ على توفير المساواة والحماية للجميع بلا استثناء، على الرغم من أن الغرض الحقيقي من إنشاء مثل هذه الحكومة هو تكريس "اللامساواة" والتي نتجت عن الملكية الخاصة، الشيء الذي يراه روسو السبب في معاناة المجتمعات الحديثة.

ثم تطور مفهوم العقد الاجتماعي الى مفهوم الدستور على يد (روسو) وغيره من المفكرين...

ثم جائت مراحل تاريخية شكلت ما يعرف ب(الملكيات الدستورية)..وكان ذلك ايذانا بصعود (الجمهوريات) واتراجع (الملكيات)...

و الدستور (في شكله النهائي) : هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة ام غير ذلك) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري ام غير ذلك) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية ام غير ذلك) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة...ويشمل اختصاصات السلطات الثلاث (السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية) وتلتزم به كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي فالقانون يجب أن يكون متوخيا للقواعد الدستورية وكذلك اللوائح يجب أن تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة إذا ما كان القانون نفسه متوخيا القواعد الدستورية. وفي عبارة واحدة تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية.

وللدساتير نوعان رئيسيان :

1. الدساتير المدونة وغير المدونة

الدساتير المدونة : يعتبر الدستور مدونا إذا كانت غالبية قواعده مكتوبة في وثيقة أو عدة وثائق رسمية صدرت من المشرع الدستوري.

الدساتير غير المدونة: وهي عبارة عن قواعد عرفية استمر العمل بها لسنوات طويلة حتى أصبحت بمثابة القانون الملزم وتسمى أحيانا الدساتير العرفية، نظرا لأن العرف يعتبر المصدر الرئيسي لقواعدها، ويعتبر الدستور الإنجليزي المثال الأبرز على الدساتير غير المدونة لأنه يأخذ غالبية أحكامه من العرف، وبعضها من القضاء، وان وجدت بعض الأحكام الدستورية المكتوبة مثل قانون سنة 1958 الذي سمح للنساء بأن يكن عضوات في مجلس اللوردات.

2. الدساتير المرنة والدساتير الجامدة

الدساتير المرنة: هي التي يمكن تعديلها بنفس الإجراءات التي يتم بها تعديل القوانين العادية أي بواسطة السلطة التشريعية وأبرز مثال لها هو الدستور الإنجليزي.

الدساتير الجامدة: هي التي يستلزم تعديلها إجراءات أشد من تلك التي تم بها تعديل القوانين العادية، ومثال ذلك دستور أستراليا الفيدرالي الذي يتطلب موافقة آغلبية مواطنى أغلبية الولايات, بالإضافة إلى أغلبية الأصوات على المستوى الفيدرالي.

وتتم صياغة الدستور باحدى طريقتين:

الجمعية التأسيسية المنتخبة : حيث يتاح للشعب فرصة انتخاب ممثليه ليقوموا بهذه المهمة خصوصا، وأول من أخذ بهذا الأسلوب هي الولايات المتحدة الأمريكية بعد استقلالها عن بريطانيا سنة 1776م.

الاستفتاء الدستوري : حيث يتم وضعه بواسطة جمعية نيابية منتخبة من الشعب أو بواسطة لجنة حكومية أو بواسطة الحاكم نفسه ثم يعرض على الشعب في استفتاء عام ولا يصبح الدستور نافذا إلا بعد موافقة الشعب عليه.

الى هنا تنتهي النبذة التاريخية...

والشاهد مما سبق فان اهم ما يميز الدستور انه نشاط انساني تطور عبر التاريخ مارا بمراحل عده ساهم فيها الاجتهاد النظري والصراع الطبقي والتراكم المعرفي والثقافي والتجارب الحضارية....

ولكن...

هل كل دستور يعني اننا هنا ازاء دولة....؟؟؟

ومرة اخرى...ما هي الدولة..؟؟

والدولة ...هي فكرة الوطن بما يعني ان سكانا اتخذوا من مساحة جغرافية معينة بلدا لهم واقاموا فيها زمنا سمح لهم بتراكم ثقافي شكل لهم تاريخا مشتركا وهم يديرون خلاله النسل والثروة والثقافة معا... وهي:

" الصورة الارقى للتشكيل المجتمعي في مرحلة ما...

وفي هذه المرحلة واضافة الى كل مميزات المراحل السابقة فان الدولة تتميز بعدة امور:

1. القدرة الفائقة على دمج عناصر الشعب الواحد (طبقيا, اقلية,..الخ)

2. القدرة الفائقة للشعب الواحد على ادارة حياته ادارة واعية وفق ما ترسخ من تقسيم وتوزيع للادوار بصرف النظر عن طبيعة النظام الذي يدير ويوجه ذلك الشعب

3. التحديد الواضح لمكامن الامن القومي والمصالح القومية للشعب الواحد

وفي سبيل ذلك تمتاز الدولة بما يسمى ب(سلطة القهر المشروع) وهي تختلف عن سلطة فرض العقاب و سلطة الفصل في النزاعات ذلك ان الدولة تصبح قادرة وبشكل مشروع على اتخاذ عدد من الاجراءات قد تكون متنافية مع حقوق هؤلاء الذين تتخذ ضدهم...وتتجلى هذه المرحلة عندما يترسخ مفهوم المواطنة كتعبير عن حق كل فرد من افراد المجتمع الواحد في مجتمعه حقا لا يقبل مناقشة او تجزيئا"....منقول عن مدونتي السابقة (الثورة المصرية (2) في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة)....

ولكن...يثور سؤال اخر...

هل كل دستور يعني اننا ازاء دولة ديمقراطية..؟؟

ومرة اخرى ... ماهي الديمقراطية..؟؟

"الديمقراطية فهي عملية مشاركة بالقول والفعل حول موضوع معين..حيث تحدد هذه المشاركة وبشكل قطعي ملزم وبعد تشاور عام القرار النهائي..وهي عملية جماعية...تعتمد على الاراء والمتخصصين على السواء...و تعكس الديمقراطية مجموعة القوى المؤثرة في المجتمع كما تعكس مجموعة الاقليات على اختلافهم في القرار النهائي"... منقول عن مدونتي السابقة (الثورة المصرية (3) في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة)

وبالقطع فانه لم تكن مصر ديمقراطية في نظامها البائد بالرغم من هامش الحرية التي تفوق اقرانها من دول العالم العربي (والذي كان يشكل في واقع الامر مكتسبات اجتماعية وثقافية للشعب المصري على طول حركته الاجتماعية والثقافية عبر الزمن)...

والان....ماعلاقة كل ما سبق باسرائيل؟؟؟

ثم ما علاقة كل ذلك بثورتنا المصرية..؟؟؟

الاجابة تاتي في سياق مايلي...

هناك ملاحظة هامه..

فبخلاف النظم غير الديمقراطية ...فانه لا يوجد في العالم سوى ثلات دول ديمقراطية لا تملك دستورا مكتوبا

نيوزيلندا..

والمملكة المتحدة (بريطانيا)...

واسرائيل...

ففور الاعلان عن قيام اسرائيل سنة 1948 ثار الجدل حول امكانية وضع دستور جديد للدولة، وقد انقسمت القيادات السياسية والاحزاب زالمجتمع الى فريقين : فريق يؤيد وضع الدستور، وفريق يعارض، وكان على راس الفريق الاخير الاحزاب الدينية.

وقد جرت عدة محاولات بعد ذلك لوضع دستور كان اهمها تشكيل لجنة من الخبراء القاونونيين برئاسة ليوكوهين عرفت بلجنة كوهين التي وضعت مشروعاً للدستور لم يحصل على موافقة الكنسيت. ثم لجأت السلطة الحاكمة في اسرائيل الى اصدار القانون الانتقالي سنة 1949 الذي سمي بالدستور الصغير ليكون اهم الوثائق الدستورية التي يستند اليها النظام السياسي الاسرائيلي والذي وضع سلطات البرلمان ورئيس الدولة والحكومة وبعدها تولى الكنيسيت اصدار القوانين والقواعد العامة المنظمة للسلطة.

وقد شكلت الحركة الصهيونية في فلسطين في نوفمبر 1947، عقب صدور قرار تقسيم فلسطين، لجنة ضمت عدداً من فقهاء القانون لإعداد دستور للدولة المزمع إنشاؤها قبل أن تولد، وقد توصلت اللجنة بالفعل إلى مشروع للدستور حاول الجمع بين متناقضات مختلفة. وعقب افتتاح الكنيست الأول في فبراير 1948، اعتبر بمثابة هيئة تأسيسية مكلفة بوضع الدستور واستغرقت المناقشات عاماً كاملاً، غير أن زعماء الماباي (الحزب العمالي) اعترضوا على فكرة وضع دستور دائم في تلك المرحلة المبكرة من قيام الدولة. وكان رأي بن جوريون (مؤسس الدولة واحد اقطاب الماباي) أن وضع دستور نهائي يغلق الباب أمام تطبيق عديد من الأساليب وتجربة مختلف المؤسسات والنظم ، كما أنه لن يكون بمقدور النظام السياسي أن يتطور من خلال الممارسة وبعيداً عن القيود الدستورية الجامدة. و قد عارض بن جوريون وضع دستور باعتبار أن الدولة الصهيونية ستقوم بتهجير أكثرية اليهود ومن ثم لابد من الانتظار حتى تشارف هذه العملية نهائياً. وفي الوقت ذاته كان هناك اتجاه ديني انتهى إلى نفس النتيجة ولكن لأسباب مختلفة فقد أثار الدينيون قضية أنه لا يمكن وضع دستور لدولة المفروض فيها أنها يهودية لأن النصوص الالهية تعلو على أي نصوص أخرى، وأنه غير المنطقي أن تقبل إسرائيل أن تجعل شرعية قانونها الأساسي مستمدة من غير النصوص الإلهية.

لهذا فقد انتهت المناقشات في الكنيست الأول في يونيو 1950 بإصدار قانون بتخويل لجنة الدستور والقانون والعدالة في الكنيست مسئولية عمل مسودة دستور الدولة على نحو تدريجي انطلاقاً من قوانين أساسية توضع للتصديق عليها أمام الكنيست وبعد انتهاء أعمال اللجنة تعتبر جميع هذه القوانين الأساسية دستوراً للدولة. وأهم هذه القوانين حتى الآن القانون الخاص بالكنيست وقانون أرض إسرائيل وقانون صلاحيات رئيس الدولة ثم قانون سلطات الحكومة وبعض القوانين الدستورية الإسرائيلية تعبر عن الطبيعة الخاصة للكيان الإسرائيلي مثل قانون العودة سنة 1950، والقانون المنظم لوضع المنظمة الصهيونية العالمية/ الوكالة اليهودية وعلاقتهما بدولة إسرائيل عام 1952، وقانون الصندوق القومي اليهودي عام 1951، والصندوق التأسيسي اليهودي عام 1956، وبرغم هذا فإن كثيراً من المسائل الهامة ما يزال دون تنظيم دستوري مثل الحريات المدنية، ولكن استمرار النظام السياسي الإسرائيلي حتى اليوم بدون دستور متكامل يعني توفر قدر واضح من الاتفاق العام حول القضايا الأساسية وإن كان يبدو ظاهرياً أن صراعاتهم حامية. وقد يبدو صحيحاً من الناحية النظرية أن عدم وجود دستور مكتوب يكفل إعطاء الكنيست سلطات قوية حيث يكون في استطاعته أن يصدر أي قانون يريد إصداره، ولكن هذا لا يحدث في الواقع بهذه الكيفية لوجود قيود عديدة على ممارسة الكنيست لوظيفة التشريع.

وعلى اي حال يمكن القول بان اسرائيل من الدول القليلة في العالم التي لا يوجد فيها دستور مكتوب. وترجع اسباب معارضة وجود دستور في اسرائيل الى مجموعة من العوامل نلخصها فيما يلي اهمها:

· ان اسرائيل لم تكتمل ارضها وشعبها، ولهذا يجب عدم تقييد اجيال المهاجرين اليهود الجدد بدستور لم يشاركوا في وضعه.

· معارضة رجال الدين اليهود والاحزاب والقوى الدينية على اساس ان اسرائيل بإعتبارها دولة يهودية تتبع التعاليم السماوية والتقاليد اليهودية، مما يجعلها في صف الامم العريقة مثل بريطانيا ولذلك فان وجود الدستور المكتوب قد يجعل الدولة علمانية وتتعارض في بعض توجهاتها مع اسس الديانة اليهودية.

· ان وجود دستور علماني سيؤدي الى نشوب خلافات سلبية، يودي الى شق الامة الى فريقين، فريق ديني وآخر علماني.

· ان عدم وجود دستور علماني مكتوب سيعطي الحكومة والكنيسيت حرية اكبر في التصرف لمواجهة المستجدات على الساحة السياسية دون وجود قيود دستورية على حركتها.

واضافة الى تلك الاسباب التاريخية فانه وبمرور الزمن فقد طرأت مشكلة كبرى تتعلق بيهودية الدولة وازدادت تعقيدا بوجود ما يسمى ب(عرب 48 وهم من نزعت عنهم جنيسنهم الاصلية واعطوا الجنسية الاسرائيلية) وتتمثل هذه المشكلة في تعريف من هو اليهودي؟ (اهومن ولد من ام يهودية ام من يحمل الجنيسة الاسرائيلية...الخ ) وما يترتب على ذلك من حقوق المواطنة ومن الحقوق السياسية و الاجتماعية...

واذن فان إسرائيل دولة لا تملك دستوراً مكتوباً يتضمن تنظيماً شاملاً لشكل الدولة والعلاقات بين السلطات وحقوق الأفراد وواجباتهم وان ما يشبه المبادئ الاساسية للدستور هو عماد الديمقراطية فيها... ومازال الهيكل القانوني في إسرائيل مستمداً من خليط من القانون العثماني والقانون الإنجليزي بالإضافة إلى التشريعات التي أصدرها الكنيست منذ عام 1949 حتى اليوم. وقد أثارت قضية الدستور كثيراً من الجدل قبل قيام إسرائيل وبعدها خاصة أن هرتزل (احد ابرز زعماء الحركة الصهيونية والاب الروحي للدولة العبرية) قد ضمن كتابه "دولة اليهود" ضرورة وجود دستور في الدولة للحفاظ على توازن القوى ولتحقيق ديمقراطية محكومة توجهها القيادة.

من مجمل ما سبق فاننا في حالة اسرائيل امام : شبه دولةديمقراطيةبلا دستور مكتوب

وذلك يختلف كلية عن بريطانيا و نيوزيلندا...

فكلاهما دولة لها حدود...

وكلاهما ديمقراطي النظام...

وكلاهما له وثائق دستورية (وليس دستورا مكتوبا كما هو معروف)

ونحن في مصر اذ نتجادل حول الدستور...والمبادئ الاساسية...علينا ان ندرك –والتجربة ماثلة امامنا ان صناعة الديمقراطية...تختلف عن صناعة الدستور..نختلف عن صناعة الدولة...

واختصر ما كان في كل ما سبق:

1. ان ولادة مفهوم الدستور وهو رمز الدولة المدنية والعلمانية الحديثة كان على يد مفكر غير علماني...وبالتالي فهو لم يكن وسيلة لهدم الشرع السماوي لصالح القوانين الوضعية...

2. ان الدستور هو عملية تراكم حاولت فيها البشرية ضبط تفاعلات الطبقات الاجتماعية في الدولة الواحدة بطريقة سلمية... وبالتالي فانه قابل للتطور باستمرار بما يلائم الظروف التاريخية المجتمع من المجتمعات...

3. ان صناعة الديمقراطية مسألة منفصلة عن صناعة الدستور وهي الغاية الاساسية التي يأتي الدستور في صياغته الاساسية تعبيرا عنها لكنها لا تتعطل بدونه...ومثال على ذلك بريطانيا و نيوزيلندا وخصوصا اسرائيل التي تفتقر الى معنى الدولة بالمفهوم التاريخي والحضاري...

4. ان نظرة الاحزاب الدينية على اختلاف اديانها نجاه الديمقراطية والعمل السياسي واحد ة وليست تلك خاصية للاحزاب الدينية الاسلامية...

5. ان مسألة التوافق الوطني والتحديد الواضح للامن القومي استقرار مفهوم التعددية والمواطنة هو الاساس وليس الدستور في بناء الدولة و صناعة الديمقراطية...والتجربة الاسرائيلية نموذج لذلك...

6. في حالة التجربة الاسرائيلية فقد كان هناك من يدفع تكاليف التقدم عنها كما انه لم توجد نظم اقليمية تضغط بالمال والاعلام ليسود تيار على تيار..بينما في الحالة المصرية فاننا نحن من ندفع التكاليف كما ان الساحة المصرية مكشوفة لكل الاحتمالات....

واسوق ختاما واقعة تاريخية ذات دلالة في هذا السياق...

في النصف الاول من عام 1955 كانت دول مجموعة "كولومبو" قد رتبت لعقد مؤتمر للشعوب الاسيوية –الافريقية فيما عرف بمؤتمر "باندونج" لدول عدم الانحياز..ولم تكن تلك الدول تستبعد اشتراك اسرائيل فيه باعتبارها دولة اسيوية...وهكذا فان "بورما" و رئيس وزرائها "اونو" وضع اسرائيل على قائمة الدول المرشحة لحضور مؤتمر "باندونج" لكن الرئيس جمال عبد الناصر اعترض على ذلك...لكن "اونو" ابدى عدم اقتناعه على اساس "ان حضور المؤتمر ليس شهادة بحسن سير و سلوك الدول و النظم وانما بوجودها الشرعي و القانوني"...فكان رد جمال عبد الناصر "ان وجود اساس شرعي وقانوني لاي دولة لابد ان يكون ضمن حدود مقبولة ومعترف بها..والحدود التي رسمها المجتمع الدولي لاسرائيل هي حدود قرار التقسيم الصادر في عام 1947 لكن اسرائيل تخطت تلك الحدود بعدوانها عام 1948 وهذا ثابت من قرارات متصلة للجمعية العامة للامم المتحدة و مجلس الامن" ...وبعث "اونو" يسأل : "هل افهم من ذلك انكم لا تمانعون في حضور اسرائيل ان هي اعترفت بقرار التقسيم ؟"...فرد جمال عبد الناصر بانه "اذا تم ذلك و تقدمت اسرائيل بخريطة نهائية لحدودها على هذا الاساس فانها بالقطع تصبح مهيأة لحضور المؤتمر وتثبت فوق ذلك انها مستعدة للسلام في الشرق الاوسط"... ولم تستجب اسرائيل...وتراجع "اونو" عن اصراره على دعوتها...واعتبر استبعاد اسرائيل من مؤتمر " باندونج" هذيمة سياسية كبرى لاسرائيل....انتهى

صنعت اسرائيل ديمقراطيتها وهي شبه دولة ... وبلادستور مكتوب....

فماذا عسى اذن ان تصنع اول دولة في التاريخ ...وصاحبة اولى التجارب الديمقراطية في العالم الثالث....!!!؟؟؟

ولكن...ذلك له حديث اخر...

No comments: