Saturday, August 13, 2011

الثورة المصرية 6

الثورة المصرية (6)

في بداية العقد الثاني من الالفية الميلادية الثالثة

مرحبا..

كنت اود ان استطرد قليلا في قصة (الحسن والحسين) رضوان الله عليهما...ثم عدلت عن ذلك...

واود ان اتحدث اليوم عن تلك الاحتجاجات التي تجتاح العاصمة الانجليزية (لندن)...مما اراه على صلة بثورتنا المصرية المجيدة...

وبداية ...فانه من اللافت للنظر ان احتجاجات من ذلك النوع بسبب الفقر تحدث في بلد اوروبي...

وتحديدا في انجلترا...

وبالذات في عاصمتها (لندن)...

وفقط في الاحياء الفقيرة منها...

وفي هذا السياق تحضرني قصة ذات مغزى يرويها تروتسكي عن لينين (وكلاهما احد اهم قيادات ثورة اكتوبر البلشفية عام 1917) ترتبط بالملاحظات السابقة...

عندما اشتدت ملاحقة لينين من قبل الامن الداخلي الروسي في العصر الملكي قبل الثورة البلشفية...راىت قيادات الحزب الشيوعي وقتها ان تؤمن ل(لينين) مكانا خارج روسيا القيصرية...ثم استقر الرأي على ان تكون (لندن) معقل الرأسمالية في في ذلك الوقت –حيث لم تكن الولايات المتحدة قد ظهرت بعد على مسرح الاحداث الدولي- حيث لا يمكن ان يخطر ببال احد ان احد زعماء الحركة الشيوعية مختبئ في معقل الرأسمالية في العالم...وكان ان تم ذلك وتم تهريب (لينين) لى لندن...ولبث (لينين) هناك عدة اشهر كانت خلالها تاتي مقالاته المحرضة للعمال متقطعة واحيانا باهته على عكس ما كان الحال الذي ايام كان تحت ضغط الملاحقة في روسيا....فكان ان قرر زعماء الحزب الشيوعي ايفاد تروتسكي نفسه الى (لندن) لمعرفة ما اذا كان النقاء الثوري ل(لينين) قد تاثر من جراء اقامته في هذة الدولة الراسمالية...وعندما التقيا حيث كان لينين يختبئ بدأ تروتسكي يسأل عن الاحوال...فأجاب لينين بانه وان كان يختبئ فانه لم يضيع وقته بل استغله في دراسة مستفيضة لمجتمع لندن الراسمالي من الداخل...

وهنا سأل لينين تروتسكي : هل تريد ان ترى رمز الراسمالية الامبريالية في لندن؟

فاجاب روتسكي : طبعا ..

ويروي تروتسكي انه تصور ان لينين سيذهب به الى احدى شوارع لندن التجارية الضخمة....او الى احدى دور النشر الكبيرة او شيئ من هذا القبيل...

لكن المفاجأة ان لينين اخذه الى حيث لم يكن ينتظر او يتوقع...اخذه الى متحف لندن...

وعندما ابدى تروتسكي دهشته من ذلك ...كان رد لينين ان ذلك المبنى الذي يروج له على انه متحف للفن والثقافة والتاريخ ان هو مبنى لسرقة كل من الفن والثقافة والتاريخ لجميع تلك الشعوب والبلاد التي هي تحت احتلال الامبراطورية الانجليزية تلك الشعوب التي انزعت منها اثارها من دون رغبة اهلها اما بالسرقة او بالاكراه...تحت دعوى التفوق والتقدم وحماية التاريخ الانساني....وذلك في احدى صوره بناء للحضارة على حساب حضارات ....

وعاد تروتسكي الى روسيا لينفي كل ما تردد من قبل عن ثورية لينين... انتهت القصة ....

واتصالا بما سبق فان علم الاجتماع يقدم لنا مصطلحا هاما في هذا السياق وهو تكاليف التقدم...

وهو ببساطة..التكاليف الاجتماعية التي يضطر مجتمع ما الى ان يدفعها في سبيل تطور اوضاعه من حال الى حال افضل على المستوى الشخصي والعام وفي مختلف المجالات...

وعلى سبيل المثال...فان الولايات المتحدة الامريكية وفي سبيل تأمين وحدتها السياسية الفيدرالية فانها دفعت في حروبها الاهلية عددا من الضحايا يوازي تقريبا حرب الثلاثين سنة في اوروبا (مايزيد على المليون نسمة) الى ان فازت بوحدتها السياسية...

وايضا... فان التقدم الهائل في الطيران (الحربي والمدني) الذي تطور ويشكل كبير في فترة الحربين العالميتين وفي فترة الحرب الباردة جاء على خلفية حروب المستعمرات الكبري (الحرب العالمية الاولى والثانية) وحرب الايدلوجيات الكبرى (الحرب الباردة) بكل خسائرها المادية والاجتماعية....

وفي مثال اكثر عمقا واكثر اتصالا بواقعنا الاجتماعى فان تجربة الدولة الحديثة في مصر و في سبيل تقدمها بداية من ثورة يوليو عام 1952 وفي نهجها الاشتراكي الذي انتهجته حتى عام 1974... فانه في مقابل التطور الصناعي واتساع رقعة التعليم وقيادة العالم العربي سياسي..الخ ا فان ما كان يمثل الاقطاع كطبقة والحروب مع اسرائيل ومشاكل الديمقراطية ..الخ كانت كل تلك الجبهات مجالات تدفع فيها مصر تمن تجربتها....

ومما سبق تتضح امامنا فكرة مؤداها... ان مجتمعا ما وفي سبيل تحقيق امنه واستقراره ثم في خطواته نحو تحقيق تقدمه واشباع حاجاته فانه يدفع في سبيل ذلك ثمنا اقتصاديا واجتماعيا قد يكون باهظا اذا وصل الى مستوى الحرب الاهلية وقد يكون مقبولا ومحتملا اذا كان في مستوى معامل الاختبار و مجالس صياغة القانون والدستور...وبالطبع فان عوامل كثيرة تتداخل في تحديد مدى هذه التكاليف...غير ان تحديد تلك العوامل مما لا يتسع هذا المقام لمناقشته...

ولم يكن اي من ذلك في التجربة الانجليزية الحديثة...

ونقلا عن الموسوعة الحرة (الويكيبيديا) :

" تكبر إمبراطورية بريطانيا كل الإمبراطوريات في تاريخ العالم حتى الآن، فلم تكن مجرد قوة عظمى بل هي من أوائل القوى في العالم ولفترة طويلة. وقد كانت نتاج عصر الاستكشاف الأوروبي الذي بدأ مع الاكتشافات البحرية العالمية للدول الأيبيرية في أواخر القرن الخامس عشر مما أدى إلى تدشين عصرالامبراطوريات الأوروبية. في سنة 1913 بسطت الإمبراطورية البريطانية سلطتها على تعداد سكاني يقارب 458 مليون شخص، أي حوالي ربع سكان العالم. وغطت تقريبا 33 مليون كيلومتر مربع (14.2 مليون ميل مربع)، أي حوالي ربع مناطق الأرض. بالرغم من أن معظمها نشأ في الكومنولث، بقي التأثير البريطاني قويا في جميع نواحي العالم : في التطبيق الاقتصادي والأنظمة القانونية والحكومية والمجتمع والرياضة (مثل الكريكت وكرة القدم)وفي اللغة الإنجليزية نفسها، وهذا غيض من فيض. وبسبب اتساع حجمها في أوج قوتها ،قيل أنها " الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" ويؤكد اتساع الإمبراطورية على طول العالم أن الشمس كانت تشرق دائما على واحدة على الأقل من مستعمراتها العديدة "...انتهى

ونقلا عن البروفيسور (سايمون شاما) في سلسلة تاريخ بريطانيا الصادر عن هيئة الاذاعة البريطانية BBC :

" تاريخ المملكة المتحدة يمثل جزءاً من قصة الأمم التي عاشت في إنجلترا، وأسكتلندا، وويلز، وشمالي أيرلندا، وكوّنوا في عام 1801م ما يُعرف بالمملكة المتحدة. تبلورت حضارة بريطانيا على مر القرون من تشكل ثقافات مختلفة، فقد ساعد أقوام كثيرون على تشكيل تاريخها، منهم من عاش في فترة ما قبل التاريخ، ومنهم السلتيون، وكذلك الرومان، والأنجلز، والسكسون، والفايكنج، وأخيرًا النورمنديون. بدأت بريطانيا منذ القرن السادس عشر الميلادي تشهد تطورًا اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا سريعاً، وصارت أمة ذات أهمية عالمية، استطاعت أن تطور النظم البرلمانية الديمقراطية، وتسهم في حركة النهضة التقنية إبان الثورة الصناعية، عملت المملكة المتحدة على التأسيس لدولة أوروبية مزدهرة اقتصاديا ومتقدمة علميا وأصبحت بريطانيا اليوم من ضمن القوى الصناعية الرائدة في العالم.وقد تمكنت بريطانيا أيضاً في الفترة من 1500إلى 1900م من بناء أعظم إمبراطورية وراء البحار في التاريخ بالرغم من أنها مجموعة معزولة من الجزر كما أنها أسهمت حضارياً في تكوين أستراليا وكندا والهند ونيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية وجزر الهند الغربية وكل دول الكومنولث. هذه الإمبراطورية العظيمة كانت يوماً ما تسمى البلاد التي لاتغرب عنها الشمس نظراً لإتساع مستعمراتها. هذه البلاد وهذه القوميات والأمم المتعددة الأجناس والأعراق تستحق النظر في تاريخها والتعرف على ماضيها الذي قادته أحداث وكوارث وحروب ساهمت بتكوين الشكل الحالي لبريطانيا كأول ملكية دستورية، أمة الوثيقة العظمى (الماجنا كارتا عام 1215) "... انتهى

وحتى لا اطيل في استعراض التاريخ ...فاننا نقف امام مرحلتين في تاريخ انجلترا...

مرحلة ما قبل الكشوف الجغرافية (ماقبل القرن الخامس عشر)...

وفي تلك المرحلة فان فان التكاليف الاجتماعية في تلك المرحلة دفعتها انجلترا (كاي مجتمع عادي) من مواردها البشرية والطبيعية وفي نطاق جغرافيتها وما يجاورها وفي اطار احتكاكات حضارية طبيعية (خشنة وسلمية)...

وكان من الطبيعي ان يكون مدى التقدم الذي يتم تحقيقه مرهون بمدى فداحة التكاليف الاجتماعية الملقاة على عاتق ذلك المجتمع...

وفي مجال الديمقراطية على سبيل المثال فان التكاليف الاجتماعية لتلك المرحلة والتي تحملها المجتمع الانجليزي لم تسمح الا بصدور الوثيقة العظمى (الماجناكارتا) او بصورة اكثر حداثة بعد ذلك بسنوات...

مرحلة ما بعد الكشوف الجغرافية (ما بعد القرن الخامس عشر)...

وهي المرحلة الاستعمارية...

وفي تلك المرحلة – وذلك هو بيت القصيد- فان التكاليف الاجتماعية في سبيل تقدم المجتمع الانجليزي (قمة العالم الراسمالي في ذلك الوقت) لم يدفعها المجتمع الانجليزي نفسه ومن موارده بل دفعتها مستعمرات امبراطورية بريطانيا العظمى عبيدا و مواردا طبيعية وثروات ومناطق استراتيجية و..و..و..الى ان حدث الصدام الحضاري الاول بين المبراطوريات المنافسة متمثلا في الحرب العالمية الاولى...

وفي نفس المجال (الديمقراطية) فان التكاليف الاجتماعية لتلك المرحلة والتي تحملتها مستعمرات الامبراطورية سمحت بتطور ديمقراطي تمثل في صورة (مجلس العموم البريطاني) بكل صلاحياته النيابية...

غير انه مع حلول القرن العشرين حدثت مجمعة من التغيرات على الساحة السياسية:

1. فان الصراع بين هذه الديمقراطيات اصبح احدى التكاليف التي اضطر المجتمع الانجليزي لدفعها ليحافظ على تقدمه (متمثلا ذلك في الحربين العالميتين و الحرب الباردة)...

2. ثم جاءت حركات التحرر الوطني في منتصف القرن العشرين الى ان انتهت بسياسة "الانسحاب شرق قناة السويس" التي اعتمدتها السياسة الانجليزية عقب تاميم القناة عام 1956..هذا بدوره ادى الى تحجيم المورد (المستعمرات) الذي كان من قبل مستباح الثروات والموارد والموقع...

3. ثم زاد على ذلك ان بريطانيا العظمى لم تشارك الاتحاد الاوروبي تكتله الاقتصادي وذلك ادى الى خسارتها مجالا يمكن ان يدفع معها تكاليف تقدمها...

4. ثم جائت خاتمة المطاف ان ورثت الولايات المتحدة الامريكية كل مواقع السطوة والسيطرة وتركت لانجلترا جزءا تحدده هي من مقدرات العالم في صورة شراكة لا تترك لها فرصه تقرير ما ينبغي عمله (من ذلك مشاركتها في تحالفات عسكرية كغزو العراق) وحمل ذلك المجتمع الانجليزي تكاليف كان يدفعها عنه سابقا مجتمعات اخرى...

وكنتيجة لما سبق..فان تكاليف التتقدم راحت تتراكم في المجتمع الانجليزي شيئا فشيئا على حواف المدينة الكبرى (لندن) في صورة احياء فقيرة وشباب غير مؤهل ونسب بطالة مرتفعة (وهي اعراض كانت ملازمة لدول العالم الثالث) الى ان جاءت لحظة الانفجار...وذلك شيئ يختلف عن الازمات المالية التي انتابت العالم الرأسمالي في سنوات سبقت اذ ان تلك الازمات كانت شعبية وتمس غاليبة المواطنين ولم تكن طبقية باي معيار وكان افرادها مؤهلون يعترضون على ممارسة الراسماية ضد شعوبها في الجانب الاقتصادي وحسب...اي اننا نرى ولاول مرة مجتمعا ديمقراطيا متقدما يدفع تكاليف بناءه لديمقراطيته وتقدمه من موارده وفي اطار جغرافيته....

ولكن ...ولكي نظل في نفس الاطار...فما علاقة ذلك بثورتنا المصرية؟؟

اننا و منذ خرجت مصر من الخلافة العثمانية على يد محمد علي مرورا بالتحولات الكبرى التي مرت بها مصر وحتى ثورتنا المصرية المجيدة ومصر تدفع تكاليف تقدمها وتجانسها دونما تاخير...واليوم فان مصر تدفع تلك التكاليف على طريق اعادة صياغة هويتها وبناء ديمقراطيتها...لكن الامر يتطلب قدرا من اليقظة والوعي...و اعادة قراءة التاريخ مرة اخرى ...

وارتباطا بتلك الاحداث فان ازمة الديون الامريكية الحالية لها نفس الخلفية خاصة اذا علمنا ان الولايات المتحدة الامريكية لها ما يقرب من 600 قاعدة عسكرية على مستوى العالم...

و كذلك الاحتجاجات في اسرائيل...

واترككم – وقد اطلت كعادتي – مع خريطة اسرائيل منذ النشأة...

واترك لكم تقدير حجم تكاليف التقدم و تكاليف الديمقراطية التي على ذلك الكيان ان يدفعه...هذا اذا علمنا ان اسرائيل قد اخذت تعويضات من المانيا وحدها تساوي 60 بليون دولار في اوائل الخمسينات.....

كيف اذن ستدفع اسرائيل تكاليف تقدمها وديمقراطيتها و حليفها الاكبر غارق في الديون...؟؟؟

ولكن...لذلك حديث اخر...

No comments: